177

The Tatars from the Beginning to Ain Jalut

التتار من البداية إلى عين جالوت

ژانرونه

مشكلة وجود الإمارات الصليبية في طريق الحرب مع التتار وحلها في أثناء إعداد هذا الجيش وفي هذه الشهور الخمسة ظهرت أيضًا مشكلة جديدة أمام قطز ﵀، فقد كانت المشاكل كثيرة جدًا، فالجهاد صعب. وهذه المشكلة لم تكن جديدة، وإنما هي قديمة جدًا، ولكن لا بد أن تحل في هذا الوقت، وهذه المشكلة هي أن هناك أجزاء ليست بالقليلة من فلسطين ولبنان وسوريا، وبالذات على ساحل البحر الأبيض المتوسط محتلة من قبل الصليبيين، فقد كان هناك إمارات صليبية في عكا وحيفا وصيدا وصور وبيروت واللاذقية وأنطاكية وغيرها وغيرها، وكانت أقوى هذه الإمارات مطلقًا هي إمارة عكا في فلسطين، وهي تقع في طريق قطز ﵀ إذا أراد أن يحارب التتار في فلسطين، ففكر قطز ﵀ بالآتي: أولا: الصليبيون أعداء الأمة كما أن التتار أعداؤها، بل إن الصليبيين أشد خطرًا على الإسلام من التتار، لأن حروب التتار حروبًا همجية، ليست لها جذور ولا أهداف ولا قواعد، بل لمجرد التدمير، لا لشيء غيره، وأما المشروع الصليبي في أرض الإسلام فهو مشروع مختلف، فالصليبيون يحاربون المسلمين حربًا عقائدية، والكراهية شديدة في قلوبهم للمسلمين، وتخطيطهم هو لحرب الإسلام نفسه، فهم يحاربون الإسلام لذات الإسلام، وأما التتار فهم يحاربون أي بشر وأي حضارة. والمشروع الصليبي مع أنه يحارب الإسلام لذاته، فهو يهدف إلى الاستيطان في بلاد المسلمين، وإحلال النصارى مكان سكان البلد المسلمين الأصليين، سواء في فلسطين أو في سوريا أو في لبنان أو في غيرها، وشتان بين احتلال الشعوب واحتلال الجيوش، فالجيوش التترية ستغادر البلاد في المستقبل لا محالة. وأما الشعوب الصليبية المستوطنة فقد جاءت لتعيش في هذا المكان، فكون الصليبيين يحاربون من منطلق عقائدي، ويحاربون ليستوطنوا البلاد ويعيشون فيها يجعل خطورتهم أكبر من خطورة التتار، مع أن الحروب التترية في ظاهر الأمر أشد فتكًا وأكثر تدميرًا من حروب الصليبيين، فكلاهما مر، فـ قطز ﵀ يعلم أن الصليبيين أعداؤه كما أن التتار أعداؤه، ولا بد أن يوضع هذا في الحسبان. ثانيًا: تاريخ التعاون الصليبي مع التتري قديم، فالتتار رغبوا في بلاد المسلمين عن طريق الصليبيين من أيام جنكيزخان، والنصارى الصليبيون هم الذين ساعدوا هولاكو في إسقاط بغداد ومدن الشام، وما تحالف التتار مع الأرمن والكرج وأنطاكية ببعيد، وقد رأينا كل ذلك، ومن المحتمل جدًا أن يصل التتار إلى تحالف إستراتيجي خطير مع الصليبيين في الإمارات الصليبية في فلسطين والشام. وهذه نقطة ثانية مهمة جدًا. ثالثًا: مع كون هذا التحالف الصليبي التتري أمر وارد، إلا أن قطز ﵀ كان يعلم أن الصليبيين في عكا يكرهون التتار أيضا كما يكرهون المسلمين، وهم لا يكرهونهم فقط، بل يخافون منهم كذلك؛ لأنهم لا عهد لهم، وممكن أن يتفقوا اليوم على شيء وغدًا يخالفونه، ومذابح التتار الجماعية مشهورة، وفظائعهم في شرق أوروبا وفي روسيا النصرانية كثيرة جدًا ولا تنسى، وأعداد النصارى الذين قتلوا على أيدي التتار لا تحصى. هذا كله بالإضافة إلى الحقد الصليبي الرهيب على هولاكو؛ لأنه فرض بطريركًا أرثوذكسيًا يونانيًا على كنائس أنطاكية الكاثوليكية الإيطالية في سابقة لم تحدث قبل ذلك أبدًا، وكل الناس يعرفون العداء المستحكم بين الأرثوذوكس والكاثوليك، ونصارى عكا كانوا من الكاثوليك المتعصبين جدًا، ولا يتصورون أن يحدث ذلك في أنطاكية فضلًا عن أن يحدث في عكا نفسها. كل هذه الخلفيات كانت تجعل الصليبيين في عكا يتوجسون خيفة من التتار، ويعاملونهم في حذر شديد، ففكر قطز بأن التتار قد يتحالفون مع الصليبيين، ولكن الصليبيون في عكا لن يرغبوا في التحالف مع التتار إلا إذا أرغموا على ذلك، فلو أراد أن يعاهدهم فمن الممكن أن يسبق التتار. رابعًا: أن الصليبيين في ذلك الوقت في سنة (٦٥٨) هجرية يعانون من ضعف شديد. فعكا وإن كانت هي أقوى الإمارات الصليبية في ذلك الوقت، إلا أنها كانت تعاني من ضعف شديد منذ هزيمة المنصورة سنة (٦٤٨) هجرية، ومنذ رحيل لويس التاسع ملك فرنسا إلى بلده، وقتل عدد كبير جدًا من الجنود الصليبيين في هذه المعركة، وأسر كل الجيش الباقي، فمنذ كل هذه الأحداث والصليبيون في تدهور مستمر، وهناك هبوط كبير جدًا في إمكانيات وقدرات ومعنويات الجيش الصليبي في عكا، وكان قطز يعلم أنه وإن كان يتعامل مع عدو شديد الكراهية، لكنه عدو ليس شديد القوة بل ضعيف. خامسًا: إن إمارة عكا إمارة حصينة جدًا، وهي أحصن مدينة على الإطلاق في الشام وفلسطين، وقد استولى عليها النصارى سنة (٤٩٢) هجرية، يعني: قبل (١٦٦) سنة، ومنذ ذلك التاريخ والقواد المسلمون بما فيهم صلاح الدين الأيوبي ﵀ يفشلون دائمًا في فتحها، فكان قطز يعلم أن فتح المدينة صعب جدًا، حتى وإن كانت الإمارة في أشد حالات ضعفها، ولو حاص

9 / 15