170

The Tatars from the Beginning to Ain Jalut

التتار من البداية إلى عين جالوت

ژانرونه

حكم قتل الرسل في الإسلام لنا وقفة مع هذا الحدث، فأنا لا أدري حقيقة ما هو السند الشرعي لـ قطز ﵀ في عملية القتل للرسل، وأرى أن هذا الفعل كان هفوة وخطأ من قطز ﵀ ومن معه من الأمراء، فالرسل في الإسلام لا تقتل، لا رسل المسلمين، ولا رسل الكفار، ولا حتى رسل المرتدين عن الإسلام. يقول عبد الله بن مسعود ﵁ وأرضاه: (جاء ابن النواحة وابن أثال رسولا مسيلمة إلى النبي ﷺ فقال لهما: أتشهدان أني رسول الله؟). وقد كانا مسلمين وارتدا مع مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة، فقال رسول الله ﷺ: (أتشهدان أني رسول الله؟ قالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله، فقال رسول الله ﷺ: آمنت بالله ورسوله، لو كنت قاتلًا رسولًا لقتلتكما. قال: عبد الله بن مسعود ﵁: فمضت السنة أن الرسل لا تقتل) رواه الإمام أحمد والحاكم وأبو داود والنسائي ﵏ جميعًا، وفي رواية لـ أحمد وأبي داود عن نعيم بن مسعود ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما). يقول الإمام الشوكاني ﵀ في كتابه القيم (نيل الأوطار): هذان الحديثان حديث عبد الله بن مسعود وحديث نعيم بن مسعود ﵄ يدلان على تحريم قتل الرسل الواصلين من الكفار، وإن تكلموا بكلمة الكفر في حضرة الإمام أو سائر المسلمين. إذًا: فالحكم الشرعي في الإسلام أن الرسل لا تقتل. ولا أدري ما هو دليل قطز الشرعي على قتل هؤلاء الرسل، ولا أدري لماذا سكت العلماء في زمانه عن هذه القضية، أو لعلهم تكلموا ولم يصل إلينا قولهم، ولعل قطز ﵀ اجتهد في أن التتار قد هتكوا كل الأعراف والقوانين والمواثيق فقتلوا النساء والأطفال والشيوخ غير المقاتلين، وبأعداد لا تحصى، فقد قتلوا في بغداد وحدها مليون مسلم قبل سنتين فقط، وهذا من غير المدن التي سبقت أو لحقت ببغداد، ولعله اجتهد هذا الاجتهاد بعد أن أساء الرسل الأدب معه، وأغلظوا له في القول وتكبروا عليه، ولعل هذا كان اجتهاده وإن كنت أقول: إننا لا يجب أبدًا أن نجر إلى أخلاق الكفار. فإذا قتل الكفار أطفال المسلمين مثلًا فلا يجوز للمسلمين أن يقتلوا أطفال الكفار بحجة العقاب بالمثل، وإذا قتل الكفار النساء المسلمات وهتكوا أعراضهن، فليس هذا مبررًا أبدًا لقتل النساء الكافرات غير المقاتلات وهتك أعراضهن، فهتك العرض غير مقبول سواء للمقاتلة أو غير المقاتلة. وإذا خان الكفار العهد فلا يجوز للمسلمين خيانة عهودهم، وعلى نفس الوتيرة لا يقتل المسلمون الرسل، ولا الكفار الذين أخذوا أمانًا من المسلمين، وكل هذا ليبقى دين الإسلام نقيًا خالصًا غير مختلط بسلبيات القوانين الوضعية، وليظل المثل الإسلامي الرفيع والخلق الإسلامي العالي وسيلة باقية لدعوة شعوب الأرض إلى هذا الدين الرائع دين الإسلام. لكل ما سبق فإني أعتبر أن ما حدث من قطز ﵀ والأمراء في هذه الخطوة هفوة وخطأ في الاجتهاد، ولا بد لكل إنسان مهما عظم قدره أن يكون له أخطاء إلا الأنبياء المعصومين، ويكفي المرء فخرًا أن تعد معايبه.

9 / 8