إلى الإفهام مبينا، كما تقول: بين لي الموت أن الناس لا يخلدون، والتبيين فعل نفس المبين للشيء في فهمه إياه وهو الاستبانة أيضا، والمبين هو الدال نفسه١.
إذا تبين هذا نقول: قد أنزل الله القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، وكفل فيه لهم ما يصلح حالهم ومآلهم، وجعل منهج حياة لهم، وحتى يتسنى لهم حفظه، وينجز لهم وعده بتيسيره للذكر جعله في الأعم الأغلب مجملا لا يتوصل إلى مراد الله به إلا من خلال الرجوع إلى من أنزل عليه ﷺ ربطا للدعوة بالداعية، وتوثيقا للصلة بين البيان والمبين.
ومما ينبغي أن يعلم رجوع السنة إلى القرآن، واعتباره أصلها فكل ما بينته من الأحكام، أو أسسته بمعنى استقلالها ببيان حكمه راجع إلى القرآن، فهو الذي أمر بطاعته ﷺ، وحذر من مخالفته، وأمرنا بأخذ كل ما أعطانا والانتهاء عن كل ما عنه نهانا، ولقد مر بك فهم الشافعي لهذا المعنى، وسبق ابن مسعود له بهذا الفهم، وكيف اعتبر أن ما جاء عنه ﷺ صريحا مفصلا جاء ضمنا أو مجملا في القرآن، على أن رسول الله ﷺ حين يتولى مهمة البيان لا يصدر عن نفسه، إنما يتبع ما يوحى إليه من ربه الذي أعلن في وضوح تام أن كل ما يجيء به فعن الله: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ ٢.