The Scale in the Rules of Quranic Recitation
الميزان في أحكام تجويد القرآن
خپرندوی
دار الإيمان
د خپرونکي ځای
القاهرة
ژانرونه
مقدّمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هديه إلى يوم الدين.
وبعد .. فقد كان فضلا من الله ومنّة، أن هدانى إلى القيام بمهمة إعداد بحث يجمع أحكام التجويد برواية حفص عن عاصم بن أبي النجود من طريق الشاطبية، يكون مرجعا للدارسين والدارسات بحلقات تحفيظ القرآن.
وقد استعظمت المهمة بادئ الأمر، وتهيبت خوض التجربة، وترددت لحظات تنازعني خلالها أمران: أمّا أولهما فشوق إلى الاشتغال بعلم من علوم القرآن وطمع فى نوال شرف تلك المنزلة، وأمّا الآخر فتحرّج واحتراز منى أن أكتب فى ميدان غير ميدان تخصصي وإن كانت تربط بين الميدانين وشائج قربى وثيقة، فتخصصي ميدانه الدراسات اللغوية واللغة العربية والبحث المنشود ميدانه المباحث القرآنية. غير أن ترددي لم يدم طويلا بفضل الله تعالي إذ ألهمني أن أتمسك بتلك العطية التي رزقني إياها، وألا أفرط فيها، فتعاظم أمرها في ناظريّ حتى بات إنجازها أسمى طموحاتي، وأوسع دوائر أحلامي. فاستعنت بالله العزيز، وشحذت الهمّة، واستنفرت الإرادة، وعزمت أن أخوض التجربة، وعاهدت نفسي أن أتفرغ لتلك المهمة الشريفة، قاصرة جل وقتي وجهدي عليها حتى أفرغ منها. إلى أن أتم الله نعمته على، ووفقني وأعاننى على إنجاز هذا الجهد المتواضع.
فله الحمد في الأولى والآخرة على ما أنعم وأولى، فبفضله ومشيئته انهالت على كثير من المراجع من أهل العلم والفضل، وكأنما كانت تسعى إلىّ- بفضل الله تعالى- قبل أن أسعى إليها، وبعون الله وتيسيره تفتحت أمامي كنوز المعارف
1 / 5
الكامنة فى بطون تلك المراجع، فجعلت أرتشف منها وأتزود. وكنت قد انتويت في بداية الأمر أن أقدم بحثا موجزا، يطوف بالأبواب الرئيسة في أحكام التجويد باختصار، دون أن أتعرض للتفاصيل الدقيقة لتلك الأحكام، ولكنى وجدتني في خضم تلك المراجع أسبح فى بحار من المعرفة لم يكن لى سابق علم بها، وأطّلع على كنوز من أسرارها كانت خفية عنى، فلما تكشفت لناظريّ بهرتني، وراعني فيضها، وغزارتها، فو الله لقد استحييت أن أستأثر بكل ذلك الفيض وحدي دون أن يقاسمني فيه سائر الإخوة والأخوات الدارسين والدارسات، فجعلت أغوص في أعماق تلك المراجع، أستخرج الدرّ الكامن في بطونها لأخلص به إليهم على صحاف المعرفة. وأخيرا، وبعد أن أتممت أبواب بحثي بحمده تعالى وتمام نعمته، لا يسعني إلا أن أسجد شاكرة لله فضله الذي أسبغه علىّ، راجية أن يتقبله مني، داعية لكل الأئمة والعلماء والأساتذة الأجلاء أصحاب الكتب والمراجع النفيسة التي استعنت بها، واعتمدت عليها في جمع مادة هذا الكتاب؛ فمن معينهم نهلت، ومن قطوفهم جنيت، ومن فيض علمهم تعلمت. فبحق الله إن فضلهم علىّ لعظيم، وإن خيرهم علىّ لعميم؛ فهم الذين غرسوا، ورووا، وتعاهدوا بذور علم التجويد، حتى نضجت ثمارها، فانتخبت وانتقيت من قطوفها اليانعة تلك الباقة التي نثرتها على صفحات كتابي، والتي توسمت فيها أن تكون جامعة في غير إفراط، ملتزمة في غير تفريط.
فإلى كل هؤلاء العلماء الأجلاء، وإلى كل الأساتذة الأفاضل الذين تفضلوا مشكورين بمراجعة أبواب هذا الكتاب، ولم يضنوا علىّ بملاحظاتهم، وتوجيهاتهم القيمة أقرّ بالفضل، وأدين بالشكر، فلولا جهد هؤلاء ما كان تحصيلي، ولولا غرسهم ما جنيت ثمرا، ولولا توفيق ربي ما بدأت ولا أكملت عملا. فجزى الله خيرا كل من ساهم فى إنجاز ذلك العمل المتواضع، ومعذرة منى لكل من وجد
1 / 6
بالكتاب نقصا، أو خطأ قصرت همتي عن إدراكه، أو تداركه قبل مثول الكتاب للطبع، فما تمّ الكمال لكتاب سوى كتاب الله ﷿، أما من وجد فيه نفعا فأسأله خير الدعاء، وله مثل ما دعا به، والله ولى التوفيق.
فريال زكريا العبد الموجهة فى مادة اللغة العربية بالتعليم الثانوى بإدارتى وسط وغرب الإسكندرية (سابقا felabd @maktoob.com (
1 / 7
شكر وتقدير
لما كان من شيم الوفاء حفظ الجميل لكل من له يد علينا، والإقرار بفضله كل وقت وكل حين، فقد وجدت فى مناسبة صدور هذا الكتاب فرصة مواتية لتسجيل كلمة شكر وامتنان وعرفان للأستاذ الدكتور: محمود عبد الحميد الهيتى الأستاذ بكلية الزراعة جامعة طنطا وأستاذى بحلقات تحفيظ القرآن. وإنه لمن دواعى الوفاء أن أقرّ بأن له الفضل فى تعليمى مبادئ وقواعد وأصول علم التجويد، وعلى يديه حفظت ما يقرب من نصف القرآن الكريم. وقد استطاع بفضل أستاذيته، وسعة صدره، أن يربط الدارسين والدارسات بحلقاته، وأن يدفعهم إلى الانتظام فى الدراسة والصبر والمثابرة، والمنافسة الشريفة فى التحصيل والحفظ. فجزاه الله عنا خير الجزاء وبارك له فى ماله وأهله وولده بإذنه تعالى ومشيئته، إنه سميع مجيب.
ولا يفوتنى أيضا أن أتوجه بجزيل الشكر والتقدير إلى الأساتذة الأفاضل الذين قاموا بمراجعة كتابى هذا، دون أن يعرفوا صاحب هذا الكتاب أو هويته، وإنما بذلوا جهدهم مسارعين فى الخيرات، طائعين مختارين، محتسبين أجرهم عند الله تعالى، وكان لتعليقهم على أدائى المتواضع، وتقريظهم ذلك الكتاب، فضل كبير فى إثلاج صدرى، واطمئنان نفسى بعد طول معاناة وقلق ومكابدة.
فلهم جميعا كل العرفان والامتنان، وأخص بالذكر منهم:
١ - الأستاذ الدكتور: حافظ أيوب: الأستاذ بجامعة الأزهر، كلية أصول الدين (سابقا)، والمستشار الدينى بوزارة الدفاع بدولة الإمارات العربية المتحدة (سابقا).
1 / 9
٢ - الأستاذ الفاضل: محمود داود: المشرف على علم القراءات بمعهد قراءات دمنهور.
كما أسأل الله تعالى أن يجازى خيرا كل من عاون فى إخراج هذا المؤلف إلى حيز الوجود، وكل من قدم لى تيسيرا فى شتى مراحل الإعداد والإخراج والطبع.
فريال العبد
1 / 10
قراءة القرآن
قال تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل: ٤] أى اقرأه بطمأنينة غير متعجل فى تدبر معانيه وأعط كل حرف حقه ومستحقه. وعند ما سئلت أم سلمة عن قراءة رسول الله ﷺ إذا هي تنعتها بالقراءة المفسرة حرفا، حرفا (١) أى يفسر الحروف فلا تختلط على السامع. وسئل أنس بن مالك ﵁ عن كيفية قراءة النبى ﷺ فقال: «كانت قراءته مدا. ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم». وقد تلقى صحابة رسول الله ﷺ قراءتهم من الرسول مباشرة عن طريق المشافهة ثم تلقى التابعون عن الصحابة رضوان الله عليهم ثم تابعوا التابعين وهكذا تمضى سلسلة المشافهة من جيل إلى جيل ومن مقرئ إلى قارئ مع تحرى القارئ أن يتلقى من الماهرين المجودين المتقنين وكان السلف يشترطون فى ذلك اتصال السند إلى النبى ﷺ لأن هذا العلم سنة متبعة يأخذها اللاحق عن السابق وكان ﷺ يعرض القرآن على جبريل فى كل عام مرة فى رمضان، وفى السنة التى توفى فيها عرضه مرتين.
وقد تسابق صحابة رسول الله ﷺ ينهلون من نبع القرآن علما وعملا وحفظا وترتيلا.
وتميز منهم نفر ممن اتقنوا فن التلاوة حتى صاروا أعلاما فيها فاحتضنهم رسول الله ﷺ ووالاهم بالعناية والرعاية ولمعت من بينهم أسماء بعينها وتعاهدهم يسمعهم قراءته ويطلب منهم أحيانا أن يسمع منهم وأغلبنا يعلم أنه صلوات الله عليه وآله وسلامه طلب من عبد الله بن مسعود- كما جاء فى الحديث الصحيح- أن يقرأ عليه فقرأ حتى بلغ قوله تعالى فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيدًا ٤١ [النساء: ٤١] قال حسبك، فالتفت فإذا به ﷺ تذرف عيناه. (متفق عليه). كما ثبت أن النبى ﷺ سمع
_________
(١) تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، وأخرجه أبو داود والترمذي.
1 / 11
عبد الله بن مسعود يقرأ فى صلاته فقال: «من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم معبد» (١).
وعن أنس بن مالك ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ لأبى بن كعب «إن الله أمرنى أن أقرأ عليك» قال: ءآلله سماني لك؟ قال: «الله سماك لي»، قال أنس:
فجعل أبي يبكي» (٢).
فكان أبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود من تلك الكوكبة من الصحابة ومن طلائع القراء الذين تعهدهم رسول الله.
قال ﷺ: «خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ، وأبي بن كعب» ومن هذه الكوكبة أيضا: زيد بن ثابت، وعلي بن أبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل.
نستنتج من حرص رسول الله- ﷺ علي تلقي القرآن من أناس بعينهم أن لهم تميزا في طريقة قراءتهم عن غيرهم. كما نستنتج أن لقراءة القرآن هيئة وصفة يستحب اتباعها كما يكره مخالفتها أو الانحراف عنها.
«وصفة القراءة هذه التي اصطلحوا علي تسميتها بعد ذلك «بالتجويد» تحتوي علي لهجات العرب الفصحي، وطريقتهم في النطق. وهذا من مقتضي كون القرآن عربيا فهو عربي في لفظه ومعناه، وأسلوبه، وتركيبه، ولهجته، وطريقة النطق به، ولذلك تجد كثيرا من مباحث التجويد والقراءة في علم «اللغة و«النحو»، فهي مباحث مشتركة بين الطرفين» (٣).
قال تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ [البقرة: ١٢١] يقول الإمام الغزالي «وتلاوة القرآن حق تلاوته هو أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل وحظ العقل الائتمار. فاللسان «يرتل»، والعقل «يترجم»، والقلب «يتعظ» (٤).
_________
(١) مجمع الزوائد للهيثمي، ج ٩، ص ٢٨٧.
(٢) رواه مسلم، ج ٢، ص ١٩٥.
(٣) قواعد التجويد، أبو عاصم عبد الفتاح القاري، ص ٢.
(٤) إحياء علوم الدين، ج ٣، ص ١٣١، ط ١٩٥٦ م.
1 / 12
فضل تلاوة القرآن
لا شك أنه ما من مسلم قد أتيح له أن يستوعب ما جاء بالكتاب والسنة بشأن فضل القرآن الكريم وفضل تلاوته والانشغال به والعمل بما جاء فيه، وما وعد الله به أهل القرآن من الدرجات العلى فى جنات النعيم، إلا وتاقت نفسه إلى دراسته، وإجادة تلاوته، ومحاولة حفظه وتعاهده بالاسترجاع حتى لا يتفلت من صدره ولا يتسع المقام هنا لسرد الكثير مما جاء بالكتاب والسنة في هذا الشأن ولكننا نكتفي من كل بستان بزهرة أو بضع زهرات:
فمما ورد بالكتاب في هذا الشأن:
١ - قال تعالي: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠) [فاطر: ٢٩، ٣٠]
٢ - قال تعالي: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسارًا (٨٢) [الإسراء: ٨٢]
٣ - وقال تعالي: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ [ص: ٢٩]
٤ - لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) [الحشر: ٢١]
٥ - اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتابًا مُتَشابِهًا مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٢٣) [الزمر: ٢٣]
ومما جاء فى أحاديث رسول الله:
١ - روى أبو داود والترمذي بإسناد هما عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما
1 / 13
قال: قال رسول الله- ﷺ: «يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها» (١).
٢ - وعن أنس بن مالك ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إن لله أهلين من الناس» قالوا: من هم يا رسول الله ...؟ قال: «أهل القرآن هم أهل الله وخاصته» (٢).
٣ - وعن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل، وآناء النهار» (متفق عليه)
٤ - عن ابن عباس رضى الله عنهما قال رسول الله ﷺ: «أحب الأعمال إلي الله تعالي الحالّ المرتحل: قالوا: ومن الحالّ المرتحل يا رسول الله؟ قال: «صاحب القرآن يقرأ من أوله لآخره كلما حلّ ارتحل» (٣).
٥ - عن بن معاذ بن أنس أن النبي ﷺ قال: «من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس الله والديه تاجا يوم القيامة ضوؤه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا.
فما ظنكم بالذي عمل بهذا». والحديث لم يحدد مكانة من عمل بهذا وإنما اكتفي بتحديد منزلة والديه في صورة تشتهيها كل نفس أما صاحب هذا العمل فقد ترك لخيال السامعين أن يحلق كما يشاء فلا حدود لعطاء الله لمن طلب رضاه وسار علي نهج القرآن الكريم.
٦ - روى مسلم بسنده من حديث عمر ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين».
٧ - روى مسلم بسنده عن أبى إمامة الباهلى قال: «اقرءوا القرآن فإنه يأتى يوم القيامة شفيعا لأصحابه».
٨ - قال ﷺ: «إن هذه القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد» قيل فما جلاؤها يا رسول الله؟ قال: «ذكر الموت وتلاوة القرآن: ألم تسمعوا قوله تعالى: وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ (٤).
_________
(١) رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة.
(٢) القرطبي ح ١، ص ٣٠.
(٣) رواه أحمد والنسائي.
(٤) الفتح الرباني: ١٧/ ٧ والفيروزآبادي ح ١، ص ٦٤.
1 / 14
٩ - روى مسلم بسنده عن أبى هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «ما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده». (١)
١٠ - وروى الشيخان بسنديهما عن عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ:
«الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذى يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران».
١١ - وعن أبى سعيد الخدرىّ: قال رسول الله ﷺ: «أعطوا أعينكم حظها من العبادة قالوا يا رسول الله وما حظها من العبادة؟. قال النظر فى المصحف والتفكر فيه والاعتبار بعجائبه».
١٢ - وعن عبادة بن الصامت عن رسول الله ﷺ: «أفضل عبادة أمتى تلاوة القرآن».
وأخيرا نختتم هذه الباقة العطرة من أحاديث سيد المرسلين بما رواه عثمان بن عفان ﵁ أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» (أخرجه البخارى) وها هو حديث رسول الله ﷺ قد أوضح معالم الطريق لمن أراد أن يكون خير الناس فبين أن عليه أن يتعلم القرآن أولا تلاوة ودراسة وفهما مع العمل بما فيه من أحكام، والالتزام بما فيه من أوامر ونواه، فهذا هو نصف الطريق، فإذا أتم الله نعمته وفضله عليه ومكنه من القيام بتعليم القرآن لغيره فقد أكمل المسيرة وهنيئا له إذا أخلص نيته لله وحده غير ناظر لصيت أو سمعة أو شهرة.
آداب تلاوة القرآن
١ - إخلاص النية لله وحده.
٢ - أن يكون القارئ طاهرا نظيف الثوب والبدن.
_________
(١) مسلم ح ٤، ص ٢٠٧٤.
1 / 15
٣ - أن يستقبل القبلة إن لم يكن هناك ما يعوقه عن ذلك.
٤ - الإعداد النفسى والذهنى والتهيئة لاستحضار عظمة الله وجلاله وعظمة الكلام الذى سيتلوه.
٥ - حبذا لو استاك أو نظف فمه لأنه سوف ينطق بكلام الله ﷾ وسوف يجرى الكلام فيه ليخرج من مخارج حروفه، فالأولى أن يكون الفم ذا رائحة زكية إن أمكن ذلك.
٦ - وإذا كان حظ اللسان من التلاوة تصحيح الحروف بالتلاوة، وحظ العقل تفسير المعانى، وحظ القلب الاتعاظ والتأثر، فينبنى على ذلك أنه إذا جلس المؤمن للتلاوة حاضرا بعقله، وقلبه، ولسانه فقد صدق مع نفسه، ومع الله، ومع كلام الله. وإذا كان أمر المؤمن كذلك، فلا بد أن عقله سوف يتدبر ما يتلوه من آيات الله، فإذا تدبر العقل، استشعر المؤمن من خلال الآيات فتحا من الله وقبولا، فلا يكتفي بما يبدو من ظاهر الكلام، وإنما يستشعر قلبه معاني خفية، هي نفحات من عند الرحمن لعبده الذي أقبل عليه وقد ألقي خلف ظهره كل أمور دنياه، وخلص لمولاه وحده. ومع هذا الحضور بالنفس، والعقل، والقلب سوف يشعر بقرب الله تعالي منه، ويحس أنه في حضرته، فإذا تلا أمرا من أوامره، أو نهيا من نواهيه خضعت نفسه منصاعة، وقالت سمعا وطاعة. وإذا تلا من كلام الله آية وعيد وجل قلبه وظن أنه هالك لا محالة فيتوب، وإذا كانت آية وعد استبشر خيرا واطمأن قلبه، فإذا مر بذكر النار تعوذ منها ومن عذابها، واذا جاء ذكر الجنة انشرح صدره واشتاقت نفسه إليها وألح في طلبها.
٧ - أن ينتقي لنفسه مكانا بمعزل عن كل ما يلهيه ويصرفه عن الاندماج في معاني الآيات (كالمذياع والتلفاز والأماكن التي تعج بالضوضاء وأهل اللغو والفراغ).
٨ - أن يزين قراءته ويحسن صوته بها وإن لم يكن حسن الصوت حسّنه ما استطاع. فالقراءة السليمة المجودة المتقنة إذا زانها صوت حسن ندىّ كانت فضلا من الله ومنة على من قرأ ومن سمع، وصرف الله إليها الجن والملائكة يستمعون
1 / 16
لها، وصغت لها أسماع المؤمنين وقلوبهم، وما من دليل على ذلك أبلغ من تأثر الرسول الكريم نفسه بالأصوات الحسنة وتأثيرها على نفسه ويقينه بمدى تأثيرها على النفوس لذا نراه حين أقر صيغة الأذان لأول مرة فى الإسلام لم يكلف من حدثه بها أن يؤذن بل قال له: «اذهب إلى بلال فعلمه إياها فإنه أندى منك صوتا ...». وقال أيضا: «زينوا القرآن بأصواتكم». ومن قوله أيضا: «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبى حسن الصوت يتغنى بالقرآن» ولقد سمع عبد الله بن مسعود يقرأ فى صلاته فقال: «من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم معبد» فقد كان عبد الله ابن مسعود مشهورا بحسن الصوت وجودة الترتيل ودقة الأداء حتى أن الرسول نفسه طلب منه أن يقرأ عليه القرآن عند ما أحب أن يسمعه من غيره. ولا ننسى أن نذكر قول رسول الله ﷺ وهو يعبر بأسلوب فى منتهى البلاغة عن مدى إعجابه بصوت أبى موسى الأشعرى عند ما قابله فقال له:
«لو رأيتنى وأنا أسمع قراءتك البارحة!! لقد أوتيت مزمارا من مزامير داود».
فقال أبو موسى: لو علمت أنك تسمع قراءتى لحبرتها لك تحبيرا» أى لجودتها وحسنتها وزينتها لك تزيينا. على أنه ينبغى للقارئ أن يضع نصب عينيه حدا فارقا جليا بين ما هو تزيين وتحسين للصوت قصد به أن يكون جواز مرور يفتح آذان السامعين ويسمح للمعانى القرآنية أن تتجاوز عتبات أسماعهم لتنفذ إلى أعماق قلوبهم ومداركهم وعقولهم، وبين ما هو ترنم وتنغيم لأجل التطريب. لقول رسول الله ﷺ: «اقرءوا القرآن بملحون العرب وألسنتها، وإياكم ولحون أهل العشق، ولحون أهل الكتابين، وسيجيء بعدى قوم يرجعون القرآن ترجيع أهل الغناء والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم» (١).
٩ - التوقف عن القراءة عند التثاؤب ثم الاستئناف بعده.
١٠ - أن ينهى قراءته بتصديق ربه (أي قوله: صدق الله العظيم) وأن يشهد
_________
(١) نوادر الأصول، وجمال القراء للسخاوي/ عن حذيفة وأبي داود رضى الله عنهما.
1 / 17
لرسوله بإبلاغ الرسالة فيقول: (وصدق رسوله الكريم بلغ الرسالة ونحن على ذلك من الشاهدين).
الأحرف السبعة
روي ابن عباس- رضى الله عنها- عن النبي ﷺ قال: «أقرأني جبريل علي حرف، فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف» (١).
فكانت استزادة الرسول ﷺ طلبا للتوسعة على أمة المسلمين وتخفيفا عنها، ورحمة بها. وروي البخاري عن عمر بن الخطاب ﵁ قال: سمعت هشاما يقرأ سورة (الفرقان) في حياة النبي فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ علي حروف لم يقرئنيها رسول الله- ﷺ فكدت أساوره (٢) في الصلاة، فتصبرت حتى سلم فلببته (٣) بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ فقال أقرأنيها رسول الله- ﷺ فقلت كذبت فإن رسول الله قد أقرأنيها علي غير ما قرأت ..
فانطلقت به أقوده إلي رسول الله- ﷺ فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان علي حروف لم تقرئنيها. فقال رسول الله ﷺ: «أرسله .. اقرأ يا هشام» فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله- ﷺ: «كذلك أنزلت» ثم قال: «اقرأ يا عمر» فقرأت القراءة التي أقرأني فقال رسول الله ﷺ: «كذلك أنزلت». إن هذا القرآن أنزل علي سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه) وقد اختلف في المراد بالأحرف السبعة اختلافا بينا فرجح بعضهم أن تكون الأحرف السبعة لغات القبائل وقيل إن المراد بها معاني الأحكام القرآنية كالمحكم والمتشابه والحلال والحرام، والإنشاء والخبر والأمثال.
وهناك أقوال أخري مختلفة تناولها ابن الجزري بالتفنيد والمراجعة ثم رفضها محتجا بأن صحابة رسول الله ﷺ لما ترافعوا إليه كان ترافعهم واختلافهم فيما يختص بحروف القرآن، ولم يختلفوا في تفسيره، ولا أحكامه ولا معانيه. لذا
_________
(١) رواه البخاري.
(٢) «أساوره»: أبطن به، أو آخذ برأسه، أو أواثبه.
(٣) أي جمعت ثيابه عند نحره وجررته منها، أو ضربت لبّته أي «موضع القلادة».
1 / 18
يميل المحققون من العلماء إلي ترجيح مذهب الإمام أبي الفضل الرازي حيث يرى أن المراد بالأحرف السبعة: الأوجه التي يقع بها «التغاير والاختلاف» وهي لا تخرج عن سبعة».
أوجه التغاير والاختلاف السبعة:
١ - اختلاف الأسماء: في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث.
فالاختلاف في الافراد والجمع في نحو قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ [البقرة: ١٨٤]. قرئ بالإفراد (مسكين) وقرئ (مساكين) بالجمع.
والاختلاف في التثنية والجمع نحو قوله تعالي: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات: ١٠]، قرئ بالتثنية وقرئ (إخوتكم) بالجمع. والاختلاف في التذكير والتأنيث نحو قوله تعالى: وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ قرئ بياء التذكير، وقرئ (تقبل) بتاء التأنيث [البقرة: ٤٨].
٢ - اختلاف تصريف الأفعال: من ماض ومضارع وأمر نحو قوله تعالى:
فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا [البقرة: ١٨٤] قرئ الفعل هكذا (تطوع) علي أنه فعل ماض وقرئ (يطّوّع) علي أنه فعل مضارع مجزوم. ونحو قوله تعالي: قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ [الأنبياء: ٤] قرئ (قال) على أنه فعل ماض، وقرئ (قل) على أنه فعل أمر.
٣ - اختلاف وجوه الإعراب: نحو قوله تعالى: وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ [البقرة: ١١٩]، قرئ بضم التاء ورفع اللام على أن (لا) نافية وقرئ بفتح التاء وجزم اللام هكذا (تسأل) على أن (لا) ناهية.
٤ - الاختلاف بالنقص أو الزيادة: نحو قوله تعالى: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران: ١٣٣] بإثبات الواو قبل السين وقرئ (سارعوا) بحذف الواو.
٥ - الاختلاف بالتقديم والتأخير: نحو قوله تعالى: وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا [آل عمران: ١٩٥] قرئ هكذا بتقديم (وقتلوا) وتأخير (وقاتلوا).
1 / 19
٦ - الاختلاف بالإبدال أى جعل حرف مكان حرف آخر كقوله تعالى:
هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ [يونس: ٣٠] قرئ هكذا بتاء مفتوحة فباء ساكنة وقرئ بتاءين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة (تتلوا).
٧ - الاختلاف فى الهجاء كالفتح والإمالة والإظهار، والإدغام والتسهيل، والتحقيق، والتفخيم، والترقيق، وهكذا يدخل فى هذا النوع الكلمات التى اختلفت فيها لغة القبائل نحو (خطوات) تقرأ بتحريك الطاء بالضم، وتقرأ بتسكينها، ونحو (بيوت) تقرأ بضم الباء وتقرأ بكسرها (١).
حكمة إنزال القرآن على سبعة أحرف:
١ - اختلاف ألسنة العرب ولهجاتهم بحيث لو كلفهم الله تعالى لهجة واحدة لشق عليهم ذلك ونلاحظ مثل ذلك فى عصرنا هذا إذ تختلف لهجات الشعب الواحد بين أهالى شمال البلاد وأهالى الجنوب وبين أهالى السواحل وأهالى وسط البلاد.
فمن رحمة الله تعالى أنه يسر على هذه الأمة حفظ كتابه وتلاوته فأذن لنبيه أن يقرئ أمته القرآن على سبعة أحرف، فكان النبى يقرئ كل قبيلة بما يوافق لغتها.
٢ - ويرى البعض أنه فى إنزال القرآن الكريم على سبعة أحرف دليل على صدق رسالة النبى ﷺ حيث ينطق القرآن بهذه الأحرف السبعة وتلك اللهجات المتعددة وهو النبى الأمى الذى لا يعرف سوى لهجة قريش.
جمع القرآن
لا شك أن البعض منا قد سأل نفسه ذات يوم وهو يتناول بين يديه كتاب الله العزيز (المصحف الشريف) بغلافه الفاخر وطباعته الرائعة: «ترى كيف كانت هيئة هذا الكتاب على عهد الرسول ﷺ؟ هل كان كتابا يشبه ما نراه فى أيدينا
_________
(١) من كتاب (الشيخان)، طه حسين، ص ٩٧، من الكتاب الأول- بتصرف.
1 / 20
اليوم؟ وكيف حفظه الله، وحوفظ عليه حتى وصل إلى أيدينا فى عهدنا هذا؟
وإذا كان هذا التساؤل قد طاف بخواطر الكثيرين منا ممن لم تتح لهم الفرصة لمعرفة تاريخ تدوين ما يسمى «بالمصحف العثمانى» فها نحن نحاول أن نجيب عن ذلك التساؤل فى غير إسهاب:
حينما بعث الرسول ﷺ بمكة ودخل فى الإسلام بعض ممن عرفوا الكتابة من الصحابة، كان رسول الله ﷺ، يدعوهم لكتابة ما نزل من القرآن أولا بأول، وكان كل واحد منهم يحتفظ بما كتبه في مكان يأمن فيه على ما كتب من الضياع.
ولما لم تكن الكتابة على الورق أمرا ميسورا لكل من أراد الكتابة كما هو الحال اليوم، لذا فقد لجأ العرب في ذلك الوقت إلى الكتابة على (العسيب) وهو جريدة النخل العريضة. وكتبوا على (الرقعة) وهى القطعة من الجلد أو الورق وكتبوا على اللوح وهو الصفحة العريضة من الخشب. وكتبوا على أضلاع الحيوانات (كالإبل والنوق). وأذن الله لرسوله بالهجرة إلى المدينة فزاد اهتمامه بكتابة الوحى، وعمل على محو أمية الكثير من المسلمين، وجعل فدية الأسير لفك رقبته أن يعلم عشرة من المسلمين فزاد عدد كتاب الوحى فلم يتم نزول القرآن حتى كانوا أكثر من أربعين كاتبا من بينهم عدد غير قليل من حفظة القرآن فلما تولى أبو بكر الخلافة وأرسل الجيوش لمحاربة المرتدين استشهد عدد من أصحاب رسول الله ﷺ، وفى حرب «مسيلمة» استشهد عدد آخر أكبر، وكان من بينهم نحو سبعين من حفظة القرآن. فأشار عمر على أبى بكر أن يجمع القرآن حتى لا يتعرض نص من نصوصه للضياع باستشهاد القراء منهم وأصحاب النبى. وتردد أبو بكر فى قبول ذلك الرأي لأنه كان يتحرج من أن يفعل شيئا لم يفعله الرسول وهو جمع القرآن. ولكن عمر ما زال به حتى أقنعه فدعا أبو بكر «زيد بن ثابت» ﵀، وكان شابا قويا صبورا عاقلا من كتّاب الوحي وقد شهد العرضة الأخيرة للقرآن في حياة النبي ﷺ فكلفه أن يتتبع القرآن فيجمعه.
1 / 21
وتردد زيد كما تردد أبو بكر، لأن النبي لم يفعل ذلك، ولكن أبا بكر وعمر رضى الله عنهما أقنعاه بما في ذلك من خير للإسلام والمسلمين، وجعل يتتبع القرآن يجمعه من صدور الرجال، وبالرغم من حفظه للقرآن لم يكن يقبل من رجل نصّا من نصوصه إلا إذا وجده عند رجل آخر من أصحاب النبى وقيل لم يقبل شيئا من أحد إلا أن يأتى معه بشهيدين، مستبعدا كل ما ليس بقرآن من أحاديث قدسية أو تفسير أو تأويل وما نسخت تلاوته من القرآن. ومستبعدا من القرآن رواية الآحاد. فلما أتم جمعه من ألواح الحجارة والجلود وأكتاف الإبل وعسب النخل، وكان ذلك فى عهد أبى بكر أو فى أيام عمر- على اختلاف فى ذلك- «اكتمل بذلك أول مصحف» كتب فيه القرآن الكريم «كاملا» «مرتب السور والآيات» بما يتفق والعرضة الأخيرة وظل أول المصاحف هذا عند أبى بكر (إن كان قد اكتمل جمعه فى عهده). ثم صار بعد ذلك إلى عمر، أو ظل عند عمر (إن كان قد اكتمل جمعه فى عهده) حتى استشهد عمر فكانت نهاية المطاف عند «حفصة أم المؤمنين رضى الله عنها».
الفرق بين: «جمع القرآن» و«نسخ المصاحف»
لما تولى عثمان الخلافة وخشى اختلاف الناس بالأمصار فى قراءة القرآن عزم على «نسخ المصاحف»، وإرسالها إلى المدن الكبرى، فطلب هذا المصحف من حفصة ليعتمد عليه القائمون بالنسخ، وكان زيد بن ثابت من الذين شاركوا فى ذلك أيضا.
ومن الناس من يظن أن جمع القرآن أيام أبى بكر أريد به منع اختلاف الناس فى القراءة، وهذا خطأ، فالمصحف الذى جمع لم يكن مرجعا معروضا لعامة المسلمين، وإنما أريد به حفظ نصوص القرآن من أن تذهب بموت الذين يحفظونه فى صدورهم، أو يحتفظون بها مكتوبة عندهم فأما المصحف الذى أريد به منع اختلاف الناس فى القراءة فهو الذى أرسله عثمان إلى الأمصار والذى سمى (بالمصحف الإمام) أي الذي يقتدي به عامة المسلمين.
1 / 22
فقد أشار حذيفة بن اليمان على عثمان رضى الله عنهما أن يدرك هذه الأمة قبل أن تختلف على كتابها كما اختلفت اليهود والنصارى نتيجة لكثرة الاختلاف فى وجوه القراءة.
واستشار عثمان أعلام الصحابة وذوى الرأى، فأجمعوا على أن يأمر بنسخ عدد من المصاحف يرسل واحدا منها إلى كل مصر من الأمصار ليكون مرجعهم عند الاختلاف، وحرق ما عداها من المصاحف. عندئذ أرسل عثمان ﵁ إلى أم المؤمنين حفصة يطلب منها ما كانت تحتفظ به من الصحف التى سبق أن كتبها زيد بن ثابت فكلف عثمان «زيد بن ثابت» و«عبد الله بن الزبير» و«سعيد بن العاصى»، و«عبد الرحمن بن الحارث بن هشام» بنسخ هذه الصحف عدة نسخ أرسل إلى كل مصر من الأمصار
نسخة وأمر بحرق ما عداها.
منشأ القراءات:
أراد عثمان ﵁ أن يوحد المسلمين على مصحف واحد يرسم بطريقة تتلاءم مع الحروف السبعة التى نزل بها القرآن، وما لا يحتمله الرسم كتبه فى نسخة بقراءة، وفى الأخرى بقراءة أخرى، ولم يكرره فى النسخة الواحدة لدفع توهم التكرار، فإن لكل منهما وجها من غير تكرار ولم يكتب أحدهما فى الأصل، والثانى فى الحاشية لأن فى ذلك ترجيحا بلا مرجح، ولدفع توهم أن تكون الكلمة فى الأصل غير صحيحة والتى فى الحاشية هى تصحيح لها.
وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن المصاحف العثمانية بمجموعها متضمنة برسمها ما ثبت من القراءات المتواترة فى العرضة الأخيرة محتملة للأحرف السبعة وأرسل مع كل نسخة إماما عدلا ضابطا.
فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمصحف المدنى، وأرسل عبد الله بن السائب مع المصحف المكى، والمغيرة بن أبى شهاب المخزومى مع الشامى، وأبا عبد الرحمن السلمى مع المصحف الكوفى، وعامر بن عبد القيس مع المصحف البصرى.
1 / 23
وقد أرسل عثمان ﵁ جماعة من قراء الصحابة يعلمون الناس القراءة بالتلقين وقد تغايرت قراءاتهم بتغاير رواياتهم. كما أن المصاحف العثمانية لم تكن ملزمة بقراءة معينة دون الأخرى لخلوها من النقط والتشكيل، بحيث تحتمل عند التلقين الوجوه المروية.
وقد تمسك أهل كل مصر من الأمصار بما تلقوه سماعا من الصحابى الذى أقرأهم، وتركوا ما عداه، وكان هذا منشأ القراءات وظهور الخلاف.
وبعد فترة من الزمن مضى جيل الصحابيين، وقام مقامهم جيل التابعين، ثم تفرغ جماعة «للقراءة والإقراء» حتى صاروا أئمة يقتدى بهم وتعتمد رواياتهم فنسبت القراءة إليهم» (١).
فلما كان القرن الرابع اشتهر الحافظ أبو بكر البغدادى وهو أول من أفرد القراءات السبعة فى كتاب واختار فيه أشهر سبعة من أئمة القراءة فى عصره.
القراءات المتواترة
وهي عبارة عن اختلاف الكيفيات في تلاوة اللفظ القرآني المنزل علي سيدنا محمد ﷺ، ونسبتها إلي قائليها المتصل سندهم برسول الله صلي الله عليه وعلي آله وسلم، ولزيادة الإيضاح يجب معرفة المصطلحات الآتية (٢):
١ - القراءة: ويريدون بها الاختيار المنسوب لإمام من الأئمة العشرة بكيفية القراءة للفظ القرآني علي ما تلقاه مشافهة متصلا سنده برسول الله ﷺ، فيقولون مثلا: قراءة عاصم، قراءة نافع ... وهكذا.
٢ - الرواية: ويريدون بها ما نسب لمن روي عن إمام من الأئمة العشرة من كيفية قراءته للفظ القرآني، وبيان ذلك أن لكل من أئمة القراءة راويين، اختار كل منهما رواية عن ذلك الإمام في إطار قراءاته، قد عرف بها ذلك الراوي
_________
(١) بغية عباد الرحمن، محمد شحادة الغول، ص ٣١، ٣٣.
(٢) غاية المريد في علم التجويد، عطية قابل نصر، ص ٢٤.
1 / 24
ونسبت إليه فيقال مثلا: رواية حفص عن عاصم، ورواية ورش عن نافع .....
وهكذا.
٣ - الطريق: وهو ما نسب للناقل عن الراوي وإن سفل كما يقولون هذه رواية ورش من طريق الأزرق
أركان القراءة الصحيحة
لما كان القرآن العظيم إنما يتلقى بالمشافهة فيرويه جيل من أعيان القراء الضابطين عن شيوخهم ويتسلسل السند إلي النبي ﷺ كان أول شرط من شروط صحة القراءة تواتر سندها إلي الرسول ﷺ.
ولكي لا يقع القارئ فيما اتفق الصحابة على إطراحه وتركه من الأحرف السبعة ويخرج على إجماعهم فإنهم اشترطوا أيضا موافقة القراءة لخط المصاحف العثمانية ورسمها ولو تقديرا ... فإذا لم يحتملها الرسم اعتبرت القراءة شاذة وإن صح سندها، فلا يقرأ بها القرآن. وبعضهم يزيد شرطا ثالثا هو أن توافق القراءة وجها من العربية. فإذا تأملت هذه الشروط، فاعلم أن كل قراءة تعرض عليها فإن توفرت فيها فهي صحيحة ثابتة عن النبي ﷺ، وهي مما تضمنه مصحف عثمان وأجمع عليه الصحابة، فيقرأ بها القرآن بلا خلاف، ولا يجوز إنكارها أوردها.
ومن هذا يتبين لك أنه لا تحديد في الأصل لعدد القراءات أو أعيان القراء الذين يقرأ بروايتهم، ولذلك كان كثير من علماء أعيان السلف يقرأ بقراءات تثبت عندهم من غير طريق هؤلاء السبعة المشهورين فابن جرير الطبري ﵀ روى في كتابه واحدا وعشرين قراءة وكذلك فعل أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه (القراءات) واسماعيل بن اسحاق القاضي- صاحب قالون- وغيرهم.
يقول مكي بن أبي طالب القيسي في كتابه (الإنابة): «وقد ذكر الناس من
1 / 25