أخي ثقة لا تهلك الخمرُ مالهُ ... ولكنه قد يهلك المال نائله ١
من حرموا الخمر في الجاهلية:
وحرصت أمهات كتب الأدب العربي ١ على أن تفرد أبوابًا وفصولًا تذكر فيها من حرموا الخمر في الجاهلية تكرمًا وصيانة لأنفسهم، وتورد قصصهم وأشعارهم التي تصور ذهابها للعقل والمال، وزرايتها بمروءة ذوي المروءة، وذهابها بالنخوة والنجدة.
وممن اشتهروا بتحريم الخمر في الجاهلية عامر بن الظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن بكر بن عدوان، ومن شعره في ذم الخمر وبيان ضررها على العقل والمال، وتحريمها على نفسه ما دام حيًا قوله:
سآلة للفتى ما ليس في يده ... ذهابة بعقول القوم والمال
أقسمت بالله أسقيها وأشربها ... حتى يُفرَّق تربُ القبر أوصال
مورثة القوم أضغانا بلا إحن ... مُزْرِيةٌ بالفتى ذي النجدة الحالي ٢
وممن اشتهروا بتحريم الخمر على أنفسهم في جاهليتهم قبل إسلامهم قيس بن عاصم المنقري الذي وفد على رسول الله ﷺ في وفد بني تميم فأسلم وقال عنه رسول الله ﷺ: هذا سيد أهل الوبر ٣، ومما روى في سبب تحريمه الخمر في جاهليته أن تاجر خمر في الجاهلية كان يأتيه فيبتاع منه، ولا يزال الخمار في جواره حتى ينفد ما عنده، فشرب قيس ذات يوم فسكر سكرًا قبيحًا، فجذب ابنته أو أخته، وتناول قرنها، فلما أصبح سأل عنها فقيل له: أو ما علمت ما صنعت البارحة فأخبر بالقصة فحرم الخمر على نفسه، كما روى أنه شرب ذات ليلة فجعل يتناول القمر، ويقول والله لا أبرح حتى أُنزله. ثم يثب الوثبة ويقع على وجهه، فلما أصبح وأفاق قال: مالي هكذا فاخبروه بالقصة فقال والله لا أشربها أبدًا ٤.