The Prophetic Biography and Islamic History
السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي
خپرندوی
دار السلام
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤٢٨ هـ
د خپرونکي ځای
القاهرة
ژانرونه
ثابتة، والمبادئ التي تقوم على أساس علاقات الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم هي مبادئ عالمية؛ ذلك بأن طابع الدولة الإسلامية له ما للدعوة الإسلامية من اعتبار إنساني عام حدّده مصدر الرسالة الإسلامية وهو القرآن الكريم في قوله تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف: ١٥٨]؛ فالدعوة الإسلامية للناس جميعا. ولذلك ففكرة الدولة في الإسلام هي فكرة عالمية، ومبادئ علاقاتها الدولية هي مبادئ عالمية كذلك «١» . وينبغي أن نشير هنا إلى أن هذه هي أول مرة في تاريخ الأديان تقوم دولة ذات صبغة عالمية في مبادئها وأهدافها على أساس عقيدة وشريعة سماوية «٢» . وهذه ميزة امتاز بها الإسلام، وهي ميزة ناشئة عن طبيعته كدين، وناشئة أيضا عن ظروف نشأته التاريخية، وفي كلا الأمرين يختلف الإسلام عن المسيحية مثلا.
فالمسيحية- من حيث طبيعتها كدين- تعتبر رسالة إصلاحية، وجاءت لإصلاح الديانة اليهودية، وتخليصها من البدع والخرافات والأساطير التي أضافها إليها اليهود، والتي أحالتها طقوسا جامدة، لا حياة فيها ولا روح، فاليهود حرّفوا الكلم عن مواضعه كما سجّل عليهم القرآن الكريم هذا العبث: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [المائدة: ١٣] .
من أجل ذلك جاء السيد المسيح ﵇ برسالته ليصحح الديانة اليهودية، ويعيد لها صفاءها الأول، كما جاء بها موسى ﵇ وليهدي خراف بني إسرائيل الضالة.
وروي عنه قوله: «ما جئت لأنقض الناموس، بل لأصححه» .
أما طبيعة الإسلام كدين فلم تكن كذلك؛ فلم يأت الإسلام لإجراء تصحيح جزئي في ديانة سابقة، وإنما جاء الإسلام لهدم كل انحراف عقدي أو أخلاقي أو سلوكي، سواء في شبه الجزيرة العربية، أو في أي مكان آخر من العالم يصل إليه، وليقيم عقيدة عالمية للبشرية كلها؛ هي عقيدة التوحيد الخالص لله وحده ﷾، وعبادته دون سواه، ومعها شريعة خاتمة لكل الشرائع، وشاملة لكل شؤون الدنيا والآخرة.
(١) د. محمد البهي- الدين والدولة، من توجيه القرآن الكريم (ص ٤٩٠) . (٢) حسن خالد- الشهيد في الإسلام (ص ٣٣) .
1 / 165