يطعنون في القرآن الكريم، ويتهمونه بالتناقض والفساد في النظم والإعراب، والناظر في كتابه يدرك بيسر وسهولة أنه قد استوعب ما ورد في «مجاز القرآن» لأبي عبيدة، و«معاني القرآن» للفراء وأخرجهما في ثوب جديد، أكثر ترتيبًا وتنظيمًا (١)، وتأثر به تلاميذه ومن جاء بعده من المفسرين (٢). ولم يَخْلُ تفسير من التفاسير المطوَّلةِ والمتوسطة بعد ذلك من مباحثِ البلاغة، والاستشهاد عليها بشواهد الشعر البلاغية، كتفسير الطبري (٣١٠ هـ)، والزمخشري (٥٣٨ هـ)، وابن عطية (٥٤٢ هـ)، والقرطبي (٦٧١ هـ) وغيرهم.
فمن أمثلة الشواهد البلاغية في كتب الدراسات القرآنية ما ذكره أبو عبيدة في تفسير قوله تعالى: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ﴾ [التوبة: ١] (٣)، حيث قال: «﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ﴾ ثم خاطب شاهدًا فقال ﴿فَسِيحُوا﴾ [التوبة: ٢] (٤)، مَجازُهُ: سِيْروا وأَقبِلوا وأَدبِروا، والعَربُ تفعل هذا، قال عنترة:
شَطَّتْ مزارُ العاشقين فأصبحتْ ... عَسِرًا عليَّ طِلابُكِ ابنةَ مَخرمِ (٥)» (٦).
وهو يشير هنا إلى ما سَمَّاه البلاغيونَ «الالتفات» وهو «انصرافُ المتكلمِ عن المُخاطَبةِ إلى الإخبارِ، وعن الإخبار إلى المخاطبة وما يشبه ذلك». (٧) ومن أول من أشار إليه وإن لم يسمه باسمه أبو عُبيدة بقوله: «والعربُ قد تُخاطبُ فتُخبِر عن الغائبِ والمعنى للشاهدِ، فترجعُ إلى الشاهدِ فتخاطبه» (٨)، كما أشار الفراء إليه وإن لم يسمِّه باسمه (٩). ولعلَّ