171

The Phenomenon of Postponement in Islamic Thought

ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي

خپرندوی

دار الكلمة

شمېره چاپونه

الأولى

د چاپ کال

١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م

ژانرونه

٦ - أنه قد كان في الإمكان اتخاذ وسائل غير السيف لتهدئة الأحوال وجمع الكلمة، ومنها ما أشار به ابن عباس على علي بألا يعزل معاوية عن إمرة الشام، بل يبقيه في منصبه حتى يأخذ البيعة منه ومن أهل الشام، فإذا فعل ذلك وكانت المصلحة عزله يعزل، فإن رفض الطاعة يكون حينئذ باغيًا ناكثًا.
أما وهم لم يدخلوا في طاعة علي ابتداء، فإن هذا من أقوى استدلالات من يرى صواب موقفهم، لا سيما والثابت أن معاوية ﵁ لم ينازع عليًا الخلافة، وإنما اشترط لدخوله في طاعته تسليم قتلة عثمان (١) .
* ولذلك تفصيل لا مجال له هنا، وحسبنا الإشارة والتنبيه.
يبقى أن نرد قول من قال: إنه يلزم من هذا تشجيع المفسدين وقطاع الطرق، فنقول: إن قتال الفتنة - كما وقع بين الصحابة - شيء، وقتال الطرق والمفسدين شيء آخر، وقد قتل من الخوارج بالنهروان قرابة أربعة آلاف فما تألم لهم أحد، وقتل كعب بن سور يوم الجمل فتألمت لذلك الطائفتان جميعًا، فكيف بطلحة والزبير وعمار؟ فالمفسدون أقرب شيء إلى الخوارج، ولا يتحرج من قتالهم أحد، ولا يترتب عليه تمزيق صف المسلمين، بل فيه حفظ وحدتهم وأمنهم، وكذا دفع الصائل.
وأما أن يكون المرء عبد الله المقتول ولا يكون عبد الله القاتل فذلك مشروع في الفتنة بين المسلمين المختلفين اختلافًا اجتهاديًا مصلحيًا، والله اعلم.
والحاصل: أن هذا المذهب أقوى من مذهب من يرى أن الصواب مطلقًا هو القتال مع علي، وبالأولى هو أقوى ممن يرى أن الصواب هو القتال مع من حاربه وبذلك يتضح أنه أقوى المذاهب وأرجحها.
على أن الذي يهمنا هنا بخصوصه هو بيان خطأ أو ضلال من نسب هؤلاء الصحابة ﵃ إلى الإرجاء، زاعمًا أن الأمور اشتبهت عليهم فتبرءوا من الطائفتين كليهما، وأرجئوا الحكم عليهما بالإيمان - بالحق أو الباطل - إلى الله تعالى، فخلطوا بين هذا الموقف، وموقف بعض الخوارج، وموقف الشكاك الذين سبق الحديث عنهما.
وما أحسن ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في براءة الصحابة ﵃ من كل بدعة، قال: "إن الصحابة رضوان الله عليهم خير قرون هذه الأمة التي هي

(١) انظر: مجموع الفتاوى (٣٥/٥٥- ٥٦، ٧٧- ٧٨)، (٤/٤٣٩- ٤٤٢)، ومواضع من منهاج السنة.

1 / 179