219

The Music of Remembrance

العزف على أنوار الذكر

ژانرونه

ولمَّا كانت المعاني متنوعة وجدنا في العربية كلمات ما تزال تحمل في بنائها الصوتيّ آثارَ الحزونة والصعوبة التنغيمية بغية إعانتها على الوفاء بحق تصوير معناها بصوتها، فيكون منها عونٌ للمتلقى على أن يدرك المعنى الذي قد يجد من نفرة النفس عنه ما يعيقه بعض الشيء عن إدراكه وتعقله، فيبقى الأثر الصوتي معينا على إدراك المعنى الغريب الذي لاتأنس النفس بوقوعه وصحبته، كمثل ما تراه في اصطفاء الله ﷾ كلمة: (ضِيزَى) في قوله- ﷿: (تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى) (النجم:٢٢) وكلمة: (طغواها) في قوله ﷻ: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا) (الشمس:١١)
المهم أنَّ جرس الكلمة رافد رئيسيّ من روافد الدلالة على معناها.
ونحن بحاجة إلى ملاحظة انتشار الأصوات الجهرية التى هي معدن جرس البيان القرآنيّ وتوزيعها؛ لتتبين لنا سنة القرآن الكريم فى التنسيق الصوتيّ بين الجهر والهمس الذى هما رافد الايقاع. (١)

(١) - إذا ما نظرت في سورة (أم الكتاب) وجدت الحروف المجهوره هي الغالب عليها، وقد اشتملت على الحروف المجهورة كلها خلا ثلاثة أحرف (ج – ز – ظ) وقد كثر فيها أقوى الحروف جهرًا وهي ما يسمى بالحروف المتوسطة (ر.- ل – م – ن) . وقد غلب تكرارها على غيرها من الحروف المجهورة.
وليس فيها من المهموس إلا ثلثا الحروف المهموسة: ستة أحرف: (ت- ح.- س.- ص –ك –هـ)، ولم يأت فيها (ث – ش – ف) وما جاء تكرر كل حرف منها ثلاث مرات إلا (الحاء) و(الهاء) خمس مرات لكلّ، وهذا إذا ما عددنا (البسملة) آية من السورة.
وقد شاع في السورة الأصوات الصائتة الطويلة: " حروف المدّ ". فقد تكررت إحدى وعشرين مرة: (الله – الرحمن – الرحيم - لله – العالمين – الرحمن – الرحيم - مالك – الدين - إياك – إياك – نستعين - إهدنا – الصراط – المستقيم - صراط – الذين – المغضوب – لا - الضالين)
وكانت الغلبة لتكرر الألف، وهي أمدّها ثلاث عشرة مرة: (الله – الرحمن – لله – العالمين – الرحمن – مالك – إياك – إياك – إهدنا – الصراط – صراط –لا - الضالين)
ثُم للياء: ثماني مرات: (الرحيم - العالمين –– الرحيم - الدين -نستعين - المستقيم - الذين –الضالين)
ولم تأت واو المد إلا مرة واحدة في (المغضوب)
وكان أكثر حروفها متحركًا، وهذا يجعل السورة ذات جرس صوتي ورنين يملأ الأذن.
وأضاف إلى جرسها مزيدًا من الحسن تباعد مخارج الحروف المجهورة في بناء الكلمات، فمن البيّن أنَّ قوة الإسماع للحروف مع تباعد مخارجها وتنوع صفاتها يزيدها حسنا واتساقًا.
؟ وهذا يُعين على حسن التغني والترتيل، فتقبل النفس على الاستماع إليها، وعلى ترتيلها، ولا سيّما حين تمتلئ النفس بالمشاعر، فتجد في رنينها وجرسها ما يلائم ما يعتمل في تلك النفس، فتستريح بالاستماع أو التلاوة
وكان من فيض الرحمانية العليّة المقدسة أن فرضت قراءتها على كل مصلٍّ في كلّ ركعة يركعها، ليملأ نفسه بمغانيها ومعانيها، فكانت بحق سيدة وأعظم سورة في القرآن الكريم

1 / 219