209

The Hereafter - Omar Abdelkafy

الدار الآخرة - عمر عبد الكافي

ژانرونه

نماذج من قصص الصحابة رضوان الله عليهم أسر عبد الله بن حذافة السهمي ﵁ مع عشرين من أصحابه في إحدى الغزوات، أسره هرقل ملك الروم، فحاولوا إغراءه بالمال والجاه والنساء، فوجدوا منه شممًا وأنفة وعزة ويقينًا ليس بعده شك، فقال له هرقل: سوف أفك أسرك إن قبلت رأسي، فقال عبد الله: أقبل رأسك بشرط أن تفك أسري وأسر أصحابي، قال له: وافقت، فقبل رأسه وعاد إلى المدينة، وحكى القصة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فقال عمر ﵁: قبلت رأس هرقل لكي يفك أسر أصحابك، ونحن أولى أن نقبل رأسك جميعًا وأنا أول أصحابي. فقام عمر ﵁ وقبل رأسه وجعل كل الصحابة يقبلون رأسه. وفي قصة شهداء الرجيع كان منهم عاصم بن ثابت الأنصاري ﵁، دعا الله ﷿ أن يمنع جلده من أن يمسه كافر أو مشرك، فاستشهد ﵁ مع أصحابه، وأراد أناس من هذيل أن يأخذوا رأسه ويبيعوه من سفانة بنت محلم وكان عاصم قد قتل ولدين من أولادها في غزوة أحد، فنذرت إن ظفرت به أن تأخذ رأسه وتشرب فيها خمرًا شكرًا للآلهة، فلما أرادوا أخذ رأسه وجدوا الدبر مجتمعًا حول جثة عاصم ﵁، فما استطاع أحد أن يقترب من جثته، فسبحان من جعل هذه الدبر تدافع عن الذين آمنوا، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحج:٣٨]، وقال تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ [المدثر:٣١]. فاتفقوا على تركه إلى المغرب عند عودة الدبر إلى بيوته، ثم يأخذون رأسه، ولله في خلقه شئون، وإن لله يدًا تعمل في الخفاء، فلا تتعجل يد الله وهي تعمل، ودع الله ﷿ ينزل قدره في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد أنت، فما إن غربت الشمس حتى أرسل الله سيلًا جرف كل ما حوله، وكان من بين ما جُرِف جثة عاصم ﵁، حتى إذا هدأ السيل أخذوا يبحثون عن جثته فلم يجدوها، وهكذا ذهبت إلى حيث شاء الله لها أن تذهب، واستجاب الله دعوة عاصم ﵁ أن لا يمس جلده جلد كافر حيًا ولا ميتًا. هؤلاء هم أهل الصلاح أكرمهم الله بِمَا صَبَرُوا فنحن إذا صبرنا يومًا جزعنا أيامًا، وإذا صبرنا شهرًا جزعنا شهورًا، فالله يطلب منا أن نصبر صبرًا جميلًا، وكلمة جميل جاءت في القرآن كله في ثلاثة مواضع: قال الله في المزمل: ﴿وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ [المزمل:١٠]، أي: هجرًا بدون انقطاع، فإن كان لك أخ يشرب الخمر أو يرتكب فاحشة، فاهجره في الله هجرًا جميلًا، فإذا رأيته قلت له: كيف حالك؟ كذلك وردت كلمة (جميل) في سورة الحجر، قال تعالى: ﴿وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ [الحجر:٨٥] وهو العفو عن المسيء بلا عتاب، كذلك وردت كلمة جميل في قوله تعالى: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ [يوسف:١٨] وهو الصبر مع الرضا بقضاء الله فلا يشكو لأحد، قال رسول الله ﷺ: (ومن صبر من قلبه على بلية وضع الله يده على قلبه) تخيل يد الله وقد وضعت على قلبك، مثل أم سيدنا موسى التي قال الله عنها: ﴿لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [القصص:١٠] فالربط على القلب يأتي بعد العصر. وإنني لأحزن من كثير من المسلمين، ممن يقول لك: وظيفتي هذه ليست ثابتة، فتقول له: لم؟ يقول: إن القطاع الحكومي العام وظائفه مضمونة، أما وظائف القطاع الخاص فهي على كف الرحمن، فأنت أيها المسلم إذا أخذت ولدك على كفك هل تكون أمه خائفة أو مطمئنة؟ الجواب مطمئنة؛ لأن الولد على كف أبيه، فما بالك بمن على كف الرحمن؟ أليس في هذا القول سوء أدب مع الله؟

11 / 4