The Hereafter - Muhammad Hassan
الدار الآخرة - محمد حسان
ژانرونه
موقف هاجر أم إسماعيل في التوكل
ومن أجل وأسمى مقامات التوكل: ما كان من أمر هاجر ﵍، فأم إسماعيل وقد خرجت من مصر، واسمحوا لي أن أقول: إن التوكل كله ما خرج إلا من مصر، وأسأل الله أن يرد التوكل الحقيقي مرة أخرى إلى مصر، وأن يحفظ مصر وأن يجعلها واحة أمن وأمان، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
جاء في صحيح البخاري من حديث ابن عباس، لما أخذ إبراهيم هاجر مع ولدها إسماعيل ووضعها عند دوحة فوق زمزم، ولم يبن البيت بعد، وكانت صحراء مقفرة، وكل من سافر إلى الحج والعمرة يعرف طبيعة هذه الأرض، فهي صحراء جرداء، ورمال ملتهبة، تعكس أشعة الشمس عليها فتكاد الأشعة المنعكسة أن تخطف الأبصار، ففي هذه الصحراء المقفرة يضع إبراهيم ﵇ هاجر ورضيعها ويضع عندهما جرابًا فيه تمر، وسقاءً فيه ماء وينصرف، فتنظر هاجر، فلا ترى إنسًا بل ولا أُنسًا لا ترى إنسيًا ولا جنيًا لا ترى شيئًا على الإطلاق فلا ترى بيتًا ولا ترى شيئًا! ولك أن تتصور هذا المشهد الذي يكاد يخلع القلب لو رأيت نفسك في صحراء لا ترى فيها شيئًا ولا تعرف فيها طريقًا ولا إنسًا ولا أُنسًا، ولا تملك ماءً ولا طعامًا ولا شرابًا، كيف يكون حالك؟ ولما همَّ إبراهيم بالانصراف تعلقت به هاجر ﵍ وقالت: يا إبراهيم! إلى من تتركنا في هذا المكان الذي لا إنس فيه ولا شيء؟ فسكت إبراهيم ﵇، وتعلقت به فأشار برأسه إلى السماء، فقالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذًا لا يضيعنا.
أي: ما دام الملك هو الذي أمر فانصرف، والله يسمع، ويرى، فهو يسمعنا ويرانا، إذًا: لا يضيعنا! فانصرف إبراهيم ﵇ وجلست هاجر، فنفد الطعام والشراب، ولكنها تحمل في قلبها توكلًا على الله جل وعلا لا تقوى الجبال على حمله، بل والله يعجز عن حمله الرجال إنه اليقين إنه التوكل إنه صدق الثقة بالله إنه صدق اللجوء إلى الله ﷻ، فأتاها جبريل وقال: من أنت؟ قالت: أنا أم ولد إبراهيم، فقال جبريل: إلى من وكلكما -إلى من ترككما- في هذا المكان؟ فقالت هاجر: إلى الله، فقال جبريل: وكلكما إلى كافل، قال تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ [الزمر:٣٦]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق:٣] فمن توكل عليه كفاه، ومن اعتصم به نجَّاه، ومن فوض إليه أموره هداه، قال جل في علاه: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق:٣].
10 / 14