The Explanation of the String of Pearls in the Sincerity of the Word of Unity
شرح الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد
ژانرونه
توسل العبد بأعماله الصالحة وأقواله وأحواله
القسم الثاني: توسل العبد بأقواله وأفعاله وأحواله، فهذه ثلاثة أمور، مثال ذلك: أن يتوسل المرء بإيمانه بربه جل في علاه، كما قال الله تعالى مخبرًا عن الحواريين أنهم توسلوا بأفعالهم الصالحة، ومنها الإيمان فقالوا: ﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران:٥٣]، فتوسلوا بالإيمان بما أنزل الله جل في علاه، وتوسلوا بفعل آخر، وهو اتباع الرسول، وليس بالإيمان فقط، وفي هذا دلالة على أن اتباع أي نبي هو من الأعمال الصالحة، بل من القربات التي يتقرب بها العبد إلى الله جل في علاه، ومن الواجبات المفروضة، فقدم الحواريون بين يدي دعائهم توسلًا بأقوال وأفعال، كالإيمان بما أنزل الله واتباع الرسول.
وقال الله تعالى عن المؤمنين مبينًا ما فعلوه: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ﴾ [آل عمران:١٩٣]، فتوسلوا إلى ربهم بإيمانهم، وهذا من آداب الدعاء، وتوسلوا بالسمع والطاعة، كما في قوله تعالى: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا﴾ [البقرة:٢٨٥].
ومن التوسل بالأفعال: ما قصه علينا النبي ﷺ كما في صحيح البخاري عن الثلاثة الذين احتجزوا في الغار، وسدت الصخرة عليهم باب الغار، فقام أحدهم وقال: لا نجاة لكم من هذا المأزق إلا أن تتوسلوا إلى الله جل في علاه بأعمالكم الصالحة، فقام الأول يبين لربه جل في علاه، أنه كان بارًا بوالديه، فإن كان هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، -أي: بر الوالدين- ففرج عنا، ففتحت فتحة، فهذا دلالة على أنه توسل وتقدم بين يدي دعائه بالأعمال الصالحة، والثاني توسل بالبذل بإخلاص، وبالكف عن حرمات الله جل في علاه، خوفًا وفرقًا من الله جلا في علاه، وذلك عندما قعد من المرأة مقعد الزوج من زوجه، فقالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فارتاع وفزع فرقًا من الله جلا في علاه، ثم قام عنها وأعطاها المال، فتوسل بهذا العمل الصالح، وقال: إن كان ذلك العمل خالصًا لوجهك ففرج عنا، ففرج الله عنهم، والثالث كان أمينًا، وكان عنده أجرة لأجير، فبناها له وكثرها، وأعطاها إياه، ففرج الله عنهم بتوسلهم الصحيح، وهذا أيضًا توسل بالأعمال الصالحة.
وأما التوسل بالأحوال: فكأن تكون في مأزق شديد أو في كربة، فتقول اللهم أنت أعلم بحالي وما أنا فيه من مأزق، اللهم فرج عني، وقد فعل أبوا الأنبياء ذلك عندما أضرموا النار وألقوه فيها، فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، وكأنه يقول: الله جل وعلا أعلم بحالي وهو حسبي وكفيلي، فتوسل بحاله، وهذا ما جاء في صحيح البخاري، عن ابن عباس ﵁ وأرضاه، قال (حسبنا الله ونعم الوكيل) قالها إبراهيم حينما ألقوه في النار، وقالها أصحاب محمد حين ﴿قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا﴾ [آل عمران:١٧٣]، فهؤلاء توسلوا بأحوالهم، وأيوب وزكريا وغير هؤلاء توسلوا بأحوالهم كذلك، قال الله تعالى واصفًا كيف كان يتوسل أيوب بحاله لربه فيقول: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأنبياء:٨٣]، فاستجاب الله له وقال: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ﴾ [الأنبياء:٨٤].
وتوسل ذي النون فقال: ﴿لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء:٨٧].
وتوسل زكريا فقال: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾ [آل عمران:٣٨]، ويقول: ﴿رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ [مريم:٤].
فتوسل لله جل وعلا بأحواله.
4 / 6