The Collection of Al-Albani's Work in Jurisprudence
جامع تراث العلامة الألباني في الفقه
خپرندوی
مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
٢٠١٥ م
د خپرونکي ځای
صنعاء - اليمن
ژانرونه
في حديث ما كهذا الذي نحن في صدد الكلام عليه أن الصحابة كرهو استقبال القبلة، فما يكون ذلك منهم إلا اتباعا لرسول الله ﷺ اتباعا يستحقون عليه الأجر والمثوبة، لأنهم على أقل الدرجات مجتهدون مخطئون مأجورون أجرا واحدا، وسبب خطئهم عملهم بالنص على عمومه، أو عملهم بالمنسوخ الذي لم يعرفوا نسخه، وأي الأمرين فرض، فلا يعقل أن ينكر النبي ﷺ على أصحابه طاعتهم إياه فيما كان نهاهم عنه قبل أن يبلغهم النص المخصص أو الناسخ، كيف وهو المعروف بتلطفه مع أصحابه في تأديبهم وتعليمهم، كما يدل على ذلك سيرته الشريفة معهم، كحديث الأعرابي الذي بال في المسجد، وحديث معاوية بن الحكم السلمي الذي تكلم في الصلاة جاهلا، وغير ذلك مما هو معروف، فلم ينكر رسول الله ﷺ عليهم إنكارا شديدا مع أنهم فعلوا أشياء لم يسبق أن جوزها لهم رسول الله ﷺ وأما في هذا الحديث فهو ينكر عليهم أشد الإنكار عملهم، وما هو؟ كراهيتهم لاستقبال القبلة، التي كانوا تلقوها عنه ﷺ، فهل يتفق هذا الإنكار مع هديه ﷺ في التلطف في الإنكار؟ كلا ثم كلا، بل لو أراد ﷺ أن يبدل شيئا من الحكم السابق أو أن ينسخه من أصله لقال لهم كما قال في أمثاله: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، وكنت نهيتكم عن الانتباذ في الأوعية فانتبذوا، وكنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي ألا فادخروها». أخرجه مسلم وغيره وهو مخرج في «الصحيحة» «٢٠٤٨».
فلو أن قوما من أصحاب النبي ﷺ استمروا على العمل بهذا النهي لعدم بلوغ الرخصة إليهم، أفكان ينكر ﷺ عليهم أم يكتفي بتعليمهم؟ لا شك أن الجواب إنما هو تعليمهم فقط، فكذلك الأمر في كراهة الاستقبال، كان يكتفي معهم بتعليمهم، وأما أن ينكر عليهم بقوله «أو قد فعلوها» فإنه شيء ثقيل لا أكاد أتخيل صدوره منه ﷺ، وقد أراحنا الله تعالى من التصديق به بعد أن علمنا ثبوته بالطريق التي أقام الحجة بها على عباده في تعريفهم بتفاصيل شريعته، وأعني الإسناد. واعلم أن كلامنا هذا إنما هو قائم على أساس ما ذهب إليه بعض العلماء من الاستدلال بالحديث على نسخ النهي عن استقبال القبلة، وأما على افتراض أنه كان قبل النهي عن استقبال القبلة فلا يرد الاستنكار المذكور، وعليه حمل ابن حزم
1 / 153