وهذا القبول هو الذي أعطاه الله الرسل وأهل الخير من الصالحين ومن سبق لهم الهدى. وهو الذي لا سبب له من إحسان وقرابة وغيرهما، ولا معارض له من خصام أو شنآن كالحرب وغيره؛ فإن الكافرين كانوا لا يحبون الرسول ﷺ كما قال تعالى: ﴿وإذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ﴾ إلى قوله: ﴿إن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وإن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا﴾ وقال: ﴿إن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وإن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ﴾ الآية.
ويشرح هذا حديث هند بنت عتبة حين أسلمت؛ إذ قالت لرسول الله ﷺ[٥: ٤٩، ١٧]: (ما كان أهل خباء أحبَّ إليَّ أن يذلُّوا من أهل خبائك، واليوم ما أهل خباءٍ أحبُّ إليَّ أن يَعِزُّا من أهل خبائك).
ووقع في بعض روايات هذا الحديث في غير الصحاح: «وإذا أبغض الله عبدًا نَادى جِبريل ...» إلخ، مثل: حديث المحبة: «.... فيبغضه أهل الأرض»، والظاهر أنها زيادة باطلة؛ لأن المشاهدة تنافيها.
* * *
باب ما يكره من التمادح
فيه حديث أبي بكرة [٨: ٢٢، ٧]:
(أنَّ رجلًا ذُكِرَ عند النَّبيِّ ﷺ فأثنى عليه رجلٌ خيرًا، فقال النَّبيُّ: «ويحك قطعت عُنُق صاحبك»).
وفي حديث أبي موسى [٨: ٢٢، ٦]: («قطعتُمْ ظهرَ الرَّجُلِ»).
هذا من بليغ الكلام النبوي، ولم أعرف سابقًا له في كلام العرب، فهو مما انفرد به الرسول ﷺ، وهو تمثيل بديع؛ لأن فيه تشبيه الهيئة الحاصلة من ثناء الرجل على الآخر، وما يحصل للممدوح إذا كان حاضرًا أو إذا بلغه ذلك من الازدهاء والإعجاب بالنفس فيظن نفسه بلغت الكمال، فإن كان الثناء صادقًا ربما عاد عليه بضُرِّ الزهادة في طلب الكمال، أو التفريط في بعض ما عنده من المحامد، وإن كان في الثناء مبالغة، أي كان بأكثر مما في الممدوح فذلك يغرُّ ويُخيَّل إليه أنه ساوى الكُمَّل فيريد أن يجري في مضمارهم ويسمو إلى طبقتهم عن غير جدارة فيظهر سقطه.
وكل ذلك تشبيه هيئته بهيئة راكبٍ فرسًا يلحُّ عليه بالركض ويستزيده الجري