117

The Civilization of the Arabs - Gustave Le Bon

حضارة العرب - غوستاف لوبون

خپرندوی

مؤسسة هنداوي للنشر والثقافة القاهرة

د خپرونکي ځای

مصر

ژانرونه

وتشتق سهولة الإسلام العظيمة من التوحيد المحض، وفي هذه السهولة سر قوة الإسلام، والإسلام، وإدراكه سهل، خال مما نراه في الأديان الأخرى ويأباه الذوق السليم، غالبًا، من المتناقضات والغوامض، ولا شيء أكثر وضوحًا وأقل غموضًا من أصول الإسلام القائلة بوجود إله واحد، وبمساواة جميع الناس أمام الله، وببضعة فروض يدخل الجنة من يقوم بها، ويدخل النار من يعرض عنها، وإنك إذا ما اجتمعت بأي مسلم من أية طبقة، رأيته يعرف ما يجب عليه أن يعتقد ويسرد لك أصول الإسلام في بضع كلمات بسهولة، وهو بذلك على عكس النصراني الذي لا يستطيع حديثًا عن التثليث والاستحالة وما ماثلهما من الغوامض من غير أن يكون من علماء اللاهوت الواقفين على دقائق الجدل.
وساعد وضوح الإسلام البالغ، وما أمر به من العدل والإحسان كل المساعدة على انتشاره في العالم، ونفسر بهذه المزايا سبب اعتناق كثير من الشعوب النصرانية للإسلام، كالمصريين الذين كانوا نصارى أيام حكم قياصرة القسطنطينية فأصبحوا مسلمين حين عرفوا أصول الإسلام، كما نفسر السبب في عدم تنصر أية أمة بعد أن رضيت بالإسلام دينًا، سواء كانت هذه الأمة غالبة أم مغلوبة.
ويجب على من يرغب في الحكم بفائدة كتاب ديني ألا ينظر إلى قواعده الفلسفية الضعيفة على العموم، بل إلى مدى تأثير عقائده، والإسلام إذا ما نظر إليه من هذه الناحية وجد من أشد الأديان تأثيرًا في الناس، وهو، مع مماثلته لأكثر الأديان في الأمر بالعدل والإحسان والصلاة ... إلخ، يعلم هذه الأمور بسهولة يستمرئها الجميع، وهو يعرف، فضلًا عن ذلك، أن يصب في النفوس إيمانًا ثابتًا لا تزعزعه الشبهات.
ولا ريب في أن نفوذ الإسلام السياسي والمدني كان عظيمًا إلى الغاية، فقد كانت بلاد العرب قبل محمد مؤلفة من إمارات مستقلة وقبائل متقاتلة دائمًا، فلما ظهر محمد ومضى على ظهوره قرن واحد كانت دولة العرب ممتدة من الهند إلى إسبانية، وكانت الحضارة تسطع بنورها الوهاج في جميع المدن التي خفقت راية النبي فوقها.
والإسلام من أكثر الديانات ملاءمة لاكتشافات العلم، ومن أعظمها تهذيبًا للنفوس وحملًا على العدل والإحسان والتسامح، والبدهية، وإن فاقت جميع الأديان السامية فلسفةً، تراها مضطرة أن تتحول تحولًا تامًا لتستمرئها الجموع، وهي لا شك، دون الإسلام في شكلها المعدل هذا.
وجرت حضارة العرب، التي أوجدها أتباع محمد، على سنة جميع الحضارات التي ظهرت في الدنيا: نشوء فاعتلاء فهبوط فموت، ومع ما أصاب حضارة العرب من الدثور،

1 / 132