The Biography of the Prophet - Ragheb Al-Sergani
السيرة النبوية - راغب السرجاني
ژانرونه
خروج النبي ﷺ من الطائف ووصوله إلى قرن الثعالب ولقاؤه ملك الجبال
بدأ الرسول ﷺ يمشي في اتجاه مكة، وبدأ يفكّر كيف سيدخلها، فالأفكار في عقله تتصارع، وجعلته يمشي وكأنه في حلم، أو مغمى عليه، يقول الرسول ﷺ: (فانطلقت وأنا أهيم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب)، وهو على بعد (٣٥) كيلو متر من الطائف، مشى الرسول ﵊ كل هذه المسافة وهو لا يدري من شدة الهم والتفكير، وفي قرن الثعالب حدث أمر عجيب، يقول رسول الله ﷺ: (فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت) وانظروا إلى مقام الرسول ﷺ، فقد جاءه ملك الجبال ليسمع أمر رسول الله ﷺ، يقول الرسول ﷺ: (فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ، ثم قال: يا محمد! إن شئت أن أُطبق عليهم الأخشبين) أي: لو كنت تريد أن أُسقط عليهم الجبال فعلت.
فقط عليك أن تأمر، فالرسول ﷺ لم يفكر، بل قال في منتهى الهدوء: (بل أرجو أن يخرج الله ﷿ من أصلابهم من يعبد الله ﷿ وحده لا يُشرك به شيئًا).
انظروا إلى رقي أخلاق الرسول ﷺ، ومع كل الألم والحزن والاضطهاد والقهر لا يزال الرسول ﷺ يخاف عليهم، ويأخذ قراره بدون انفعال، ومع كل المصائب التي رآها ﷺ لم يتغير؛ لذا نقول: يستحيل علينا أن نوفي الرسول ﷺ حقه، ألا يستحق أن يصفه الله ﷿ بأنه على خلق عظيم، ويقول: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء:١٠٧] هذا هو رسولنا! يعلمنا الرسول ﷺ الفرق الضخم والمهول بين السياسي الداعية، والسياسي من أهل الدنيا، سياسي الدنيا لا ينظر إلا إلى المصلحة المادية، لكن السياسي الداعية له هدف أصيل، وهو أن يسلم الناس لرب العالمين ﷾، السياسي الداعية لا يحب أن يحصل له التمكين على جثث ملايين الكافرين، وليس هناك مانع من أن يتأخر التمكين قليلًا إلى أن يؤمن الكفار.
إذًا: رسالتك في الأرض أن تعلم الناس وليس أن تجلدهم، الناس سوف تضايقك وتؤذيك، لكن هذا لا يغير طريقك؛ لأنك لا تقبض من الناس أنت تأخذ أجرك من الله ﷾، والله لن يضيع مجهودك! وبعد مرور السنين الطوال أخرج الله ﷿ من أصلابهم من لا يكتفي فقط بقول: لا إله إلا الله، ولكن يحمل لا إله إلا الله إلى كل بقعة في الأرض، فمن صلب الوليد بن المغيرة خرج خالد بن الوليد، ومن صلب العاص بن وائل خرج عمرو بن العاص، ومن صلب عتبة بن ربيعة خرج أبو حذيفة بن عتبة، ومن صلب أبي جهل خرج عكرمة بن أبي جهل.
وبعد وفاة الرسول ﷺ ارتدت كل جزيرة العرب، ولم يبق على الإسلام إلا مكة والطائف والمدينة المنورة، ولو دعا عليها الرسول ﷺ لكان أهلكها الله ﷾، فهاتان المدينتان ثبتتا على الإسلام في زمن الردة، وحملتا الدعوة حتى بعد وفاة الرسول ﷺ؛ لذا علينا أن نفهم ديننا ونفهم دورنا، فدورنا أن نعلِّم من غير أن نمل ولا نكل، ونربي من غير أن نجلد، وندعو جميع العالمين إلى الإسلام من غير أن نأخذ شيئًا منهم، هذا هو دورنا الذي علمناه الرسول ﷺ في كل خطوة من خطوات حياته.
11 / 8