124

The Biography of the Prophet - Ragheb Al-Sergani

السيرة النبوية - راغب السرجاني

ژانرونه

موقف أهل الطائف من الرسول ﷺ حين أتاهم ودعاهم إلى الإسلام وصل الرسول ﷺ إلى الطائف، وظل يفكر لمن أذهب؟ وأبتدئ بمن؟ لأن الأمر الآن ليس مجرد دعوة فقط، بل هي دعوة وطلب للنصرة ضد قريش، لذا ذهب لسادة الطائف، فالضعفاء لن يجيروه من قريش، وليس هذا تقليلًا من شأن الضعفاء، ولكن هذه مهمة سياسية، ولا يمكن أن يقاس هذا الموقف بموقف (عبس وتولى)، لا بد من الحديث مع من يستطيع أن يتحمل المسئولية، كما أنه في الطائف ليس له أي إجارة، وبدون دخول المدينة من بابها الرئيسي فلن يتمكن رسول الله ﷺ من دعوة كبير ولا صغير، ولهذا فكّر الرسول ﷺ أن يذهب لقيادة الطائف مباشرة. وفي هذا رد على من يقول: لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة، فهذه هي السياسة، إلا إذا كان قصدهم أن السياسة لا تنفع إلا بالكذب والنفاق والمظاهر والتجمل الزائف، فأقول له: الإسلام يدعو إلى السياسة النظيفة، والسياسة الشرعية جزء لا يتجزأ من التشريع الإسلامي، وها نحن نرى الرسول ﷺ يعمل بها. اتجه الرسول ﷺ إلى ثلاثة من أبناء عمرو بن عمير من كبار سادات الطائف، وعرفهم بنفسه ودعاهم للإسلام ودعاهم للنصرة له وللمسلمين ضد قريش، وهؤلاء الثلاثة هم: عبد ياليل ومسعود وحبيب أولاد عمرو بن عمير، فكان ردهم في منتهى السفاهة والتخلف وانعدام الأدب، قال عبد ياليل بن عمرو: إنه سيمرط -يعني: سوف يقطع- ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك، وليس هذا استخفافًا بالرسول ﷺ، لا، وإنما بالله ﷿، أي: سوف يقطع ثياب الكعبة اعتراضًا على إرسال رسول الله ﷺ. وقال مسعود: أما وجد الله أحدًا غيرك؟ أما الثالث حبيب فحاول أنه يستظرف أو يمثل دور الذكي، إلا أنه كان في منتهى الغباء، قال: والله لا أكلمك أبدًا، إن كنت رسولًا؛ لأنت أعظم خطرًا من أن أرد عليك، ولئن كنت تكذب على الله فما ينبغي أن أكلمك. مع أن الرسول ﷺ اصطدم صدمة جديدة إلا أنه قال لهم: (إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني) أي: إن لم تؤمنوا فاجعلوا هذا الأمر بيني وبينكم، فهو لا يريد أن يصل الخبر إلى قريش، فلو وصل الخبر إليهم سوف يتهم صراحة بتهمة التخابر مع قبيلة أجنبية، ومحاولة زعزعة نظام الحكم في مكة، وإثارة الفتنة إلى آخر الأشياء التي تعرفوها، لكن للأسف كان زعماء الطائف مع أنهم أغبياء ومنعدمو الأخلاق، كانوا أيضًا فاقدي المروءة، فهم لم يكشفوا أمره فقط، بل أغروا به سفهاءهم وغلمانهم. لم ييأس الرسول ﷺ مما حدث، وظل في الطائف عشرة أيام لا يدع أحدًا من أشرافهم إلا وكلمه، ولكن كلهم رفضوا، وفي اليوم العاشر قالوا له: اخرج من بلادنا، وصفوا العبيد والسفهاء صفين خارج الطائف، وجعلوه يمر بين الصفين، وبدءوا يرمونه بالحجارة وهو بين الصفين، وبدأ الدم يخرج من الرسول ﷺ وهو لا يستطيع التصرف، وزيد بن حارثة يحاول بكل طاقته أن يبعد الحجارة عن رسول الله ﷺ ولا يستطيع، فالحجارة تأتيه من كل مكان، وشج رأسه ﵁ وأرضاه، ومع كل هذا شتائم وسباب ولعنات، والرسول ﷺ وزيد ﵁ يبذلون قدر استطاعتهم للخروج من بين الصفين في اتجاه مكة، لكن العبيد لم يتركوهم، وأسرعوا خلفهم بالحجارة مسافة خمسة كيلو متر كاملة، ثم رأى الرسول ﷺ حديقة فدخل فيها، لعله يجد من يدافع عنه، وعندما دخلها خاف العبيد من اللحوق به، وعادوا إلى الطائف. أبعد كل هذا العناء والكد والتعب والمشقة هناك من المسلمين ممن يفرطون بالإسلام؟! الناس لا تدري عن الكم الهائل من التضحيات التي دفعها رسول الله ﷺ، ودفعها زيد بن حارثة وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وحمزة وخديجة وغيرهم، إن الدين لم يأتنا بسهولة، فكل لحظة في حياة الرسول ﷺ كان فيها معاناة شديدة، كل هذا ليبلغنا ويوصل لنا الدين. ثم إني لا أشك في أن حزن الرسول ﷺ الحقيقي في هذا الموقف كان على أهل الطائف وليس منهم، وكان لسان حاله يقول: يا ليت قومي يعلمون، فالرسول ﷺ كان خائفًا عليهم كما أنه خائف علينا، أكثر شيء يحزنه أن يأتي من يرفض الإيمان وليس أن يؤذيه أو يضربه، فقد قال الله ﷾ له: ﴿وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ [النحل:١٢٧] وليس ولا تحزن منهم، فإنه كان خائفًا عليهم ﷺ، فقد كان رحمة حقيقية للأرض ﷺ. دخل الرسول ﷺ الحديقة واستظل تحت شجرة فيها، ووضع ظهره عليها، وكان يسيل الدم عليه، وثيابه مقطعة والتراب يغطيه، فحاول أن يتما

11 / 6