119

The Biography of the Prophet: Methodology and Events Overview

السيرة النبوية منهجية دراستها واستعراض أحداثها

خپرندوی

دار ابن كثير

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

١٤٢٠ هـ

د خپرونکي ځای

دمشق

ژانرونه

نفوسهم، نديا في وجدانهم، وقدوتهم في ذلك كله رسول الله ﷺ، الذين كانوا ملازمين له ﷺ، باذلين غاية الجهد في كل شيء لتحري سيرته ﷺ في كل الأمور، ويأتون منها ما استطاعوا. وكان ﷺ في كل أمر يبدأ بنفسه، ولا يميزها في الواجبات، بل ويحمّلها أكثر، في العبادة والقيادة بالأعمال والأعباء. والقصص كثيرة جدا إلى حدّ أنه توفي ﷺ ولم يشبع آله من لحم وخبز، وكان يمر الشهر والشهران وما يشعل في بيت رسول الله ﷺ نار. وحين لحق ﷺ بالرفيق الأعلى كانت درعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير (أقل من مئة كيلو غرام) «١» طعاما لأهله يأكلونه.

(١) رواه البخاري، عن أنس بن مالك. انظر: السيرة النبوية، الذهبي، والسيرة النبوية، أبو شهبة، (٢/ ٦٥٢) . وتكمن في هذه الحادثة لفتة بارعة وناصعة وفذلكة رائعة ومعنى إضافي كريم. ذلك أن يهوديا يقرض رسول الله ﷺ كيسا من شعير ويرتهن مقابل ذلك درعه ﷺ لديه، ولا بد أن اليهودي هو الذي طالب به من الرسول الكريم ﷺ الذي يعرف صدقه وأمانته ونبوته، وهو يفعل ذلك رغم ثقته المؤكدة بالإسلام ورسوله الكريم ﷺ والمسلمين. فاقرأ قول الله تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة: ١٤٦] . الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام: ٢٠] . واليهود جميعا- وأهل الكتاب- يعرفون ذلك عن كثب ومن كتبهم وبالتجربة الواضحة المتكررة البديهية، الذي منه أن اليهود لم يكونوا مضطهدين في المجتمع الإسلامي المدني، بل لهم الأمن والحرية، وهو أمر ممتد على مدار التاريخ الإسلامي. فإنه بكل حرية طلب هذا الرهان- ولا أدري تماما لأي سبب فعله- وممن؟ من رسول الله ﷺ، وأعطيه، كما أراده. وهذا كله يشير إلى نوعية الحياة التي كان يحياها هو وأمثاله وكل غير المسلمين في المجتمع الإسلامي في المدينة المنورة، رغم مواقف اليهود العدائية من الإسلام وأهله ورسوله ﷺ. فأين الذين يولولون متخوفين ومحذرين من حكم الإسلام على غير المسلمين فيه. لكنهم لا يفعلون ذلك اهتماما- ولا حتى حمية- بغير المسلمين (وما كان لهم) وما عهدناه منهم، بل عداوة للإسلام نفسه من خلال إثارة هذه الشبهات، أحبولة من أحابيلهم- وهم معادنها- حربا لكل أمل إسلامي ولمسيراته وانتصاراته من أن تحوز الحياة وتوجهها وتقيم مجتمعه الفاضل الإنساني النبيل.

1 / 126