The Allowed and Forbidden in the Mosque - Muhammad Al-Arfaj
المشروع والممنوع في المسجد - محمد العرفج
خپرندوی
وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
د ایډیشن شمېره
الأولي
د چاپ کال
١٤١٩هـ
د خپرونکي ځای
المملكة العربية السعودية
ژانرونه
[مقدمة]
المشروع والممنوع في المسجد
ناپیژندل شوی مخ
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢] ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠ - ٧١] وبعد. . فعملا بقول رسول الله ﷺ «لا يشكر الله من
1 / 3
لا يشكر الناس» فإني أشكر الله ﷾ ثم أشكر معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - الذي شرفني بالحديث عن موضوع المشروع والممنوع في المساجد - ضمن أعمال ندوة عمارة المساجد، والمعرض المصاحب لها بجامعة الملك سعود المقرر عقدها في شوال ١٤١٩هـ.
ذلك لأنه موضوع حيوي مهم لكل مسلم، لا سيما وأن المسجد هو شريان حياة المسلمين في أمور دينهم ودنياهم بما يمارسونه من إقامة الصلوات الخمس والجمعة، وبما يتلقون من دروس ومواعظ، وندوات ومحاضرات، وخطب وحلق قرآن وغيرها، مما يفرح المسلم الذي يهتم ويشارك في بناء المساجد، والحرص عليها عملًا بقوله ﷺ: «من سرته حسنته فهو مؤمن، ومن ساءته سيئته فهو مؤمن» فيزيد المهتم بذلك اهتماما وتعاونا، وربما يوقظ غافلا عن هذا الجانب فيشارك فتتضافر الجهود، ويتعاون الجميع على عمارة المساجد حسيا ومعنويا، فيحصل الأجر العظيم مستشعرين قول الحق ﷾: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٢] وقول رسول الله ﷺ: «إن الله ليدخل الجنة السهم ثلاثة نفر صانعه يحتسب الأجر ومنبله والمناول له» .
1 / 4
لذا أؤكد على الحرص بالاهتمام بالمساجد، سواء بالرأي والمشورة أو بالجاه أو الشفاعة الحسنة، أو بالمال أو تولي الإمامة والأذان، أو إلقاء المحاضرات والدروس أو تولي حلق القرآن أو الدلالة على الخير كل حسب استطاعته عملا بقوله ﷺ: «الدال على الخير كفاعله»، وقوله ﷺ: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجر من فعله من غير أن ينقص من أجورهم شيئا» .
[تعريف المشروع في المسجد]
تعريف المشروع في المسجد: هو ما يشرع فعله في المسجد وجوبا كان ذلك أو استحبابا.
[تعريف الممنوع في المسجد]
تعريف الممنوع في المسجد: هو ما يمنع فعله في المسجد تحريما أو كراهة.
[أهمية المساجد في حياة المسلمين]
أهمية المساجد في حياة المسلمين: المسجد لغة: من سجد يسجد سجودا إذا وضع جبهته على الأرض.
والمسجد شرعا: الأصل فيه كل موضع من الأرض لقوله صلى الله ﷺ: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل» . وهذا من
1 / 5
خصائص هذه الأمة، قال القاضي عياض: لأن من كان قبلنا كانوا لا يصلون إلا في موضع يتيقنون طهارته، ونحن خصصنا بجواز الصلاة في جميع الأرض إلا ما نهي عنه.
وقال القرطبي: هذا ما خص الله به نبيه، وكان الأنبياء قبله إنما أبيحت لهم الصلوات في مواضع مخصوصة كالبيع والكنائس. ثم إن العُرف خصص المسجد بالمكان المهيأ للصلوات الخمس، حتى يخرج المصلى الذي يجتمع فيه للأعياد ونحوها، فلا يعطى حكمه.
ولما كان السجود أشرف أفعال الصلاة، لقرب العبد من ربه، اشتق منه اسم المكان للموضع الذي بني للصلاة فيه، فقيل: مسجد، ولم يقولوا: (مركع) مثلا أو غيره مما يشتق من أفعال الصلاة.
فالمساجد بيوت الله ﷾ ولمكانتها وفضلها ذكرها الله سبحانه في ثمان وعشرين آية من كتابه الكريم، وأضافها إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم، فقال سبحانه: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: ١٨] ورغب سبحانه في بنائها وعمارتها وأخبر أن عُمَّارها المؤمنون بالله واليوم الآخر قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ١٨]
1 / 6
فالمساجد دور عبادة وذكر وتضرع وخضوع لله سبحانه، ومواضع تسبيح، وابتهال وتذلل بين يدي الله سبحانه، ورغبة فيما عنده من الأجر الكبير ومقام تهجد، وترتيل لكتاب الله وحفظ له، وغوص وراء معانيه، كما أخبر سبحانه أن تعطيل المسجد، ومنع الناس من ذكر الله فيه ظلم، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [البقرة: ١١٤] وجعل القرآن الكريم الدفاع عن المساجد وحمايتها مطلبا من مطالب هذا الدين يشرع لأجله القتال في سبيله، قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا﴾ [الحج: ٤٠]
قال القرطبي رحمه الله تعالى عن هذه الآية: أي لولا ما شرعه الله ﷾ للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء لاستولى أهل الشرك وعطلوا ما يبنيه أرباب الديانات من مواضع العبادات، ولكنه دفع بأن أوجب القتال ليتفرغ أهل الدين للعبادة وليس هذا بغريب فالمساجد أحب البقاع إلى الله، وهي
1 / 7
قلعة الإيمان ومنطلق إعلان التوحيد لله ﷾، فهي المدرسة التي خرجت الجيل الأول، ولا زالت بحمد الله تخرج الأجيال، وهي ميدان العلم والشورى والتعارف والتآلف، إليها يرجع المسافر أول ما يصل إلى بلده شاكرا الله سلامة العودة مستفتحا أعماله بعد العودة بالصلاة في المسجد إشعارا بأهميته وتقديمه على المنزل تذكيرا بنعمة الله سبحانه وتوثيقا للرابطة القوية للمسجد. ولذا تجد أن النبي ﷺ أول عمل قام به بعد هجرته من مكة إلى المدينة بناء المسجد المسمى مسجد قباء.
والذي ورد ذكره في القرآن الكريم في قوله سبحانه: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: ١٠٨] وسار على ذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم في القرون المفضلة، ومن بعدهم من السلف الصالح، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وكانت مواضع الأئمة ومجامع الأمة هي المساجد، فإن النبي ﷺ أسس مسجده على التقوى، ففيه الصلاة والقراءة والذكر وتأمير الأمراء وتعريف العرفاء، وفيه يجتمع المسلمون عنده لما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم.
1 / 8
[مشروعية عمارة المساجد الحسية]
مشروعية عمارة المساجد الحسية أ- العمارة لغة: ما يعمر به المكان، وعمارة المساجد بمعناها العام تشمل العمارة بنوعيها الحسية والمعنوية، فهي تشمل بناء وإنشاء المساجد، وترميمها وخدمتها وتنظيفها، والصلاة فيها ولزومها وعبادة الله فيها، وتعيين الأئمة والمؤذنين فيها، وفتح حلق الذكر فيها من تعليم القرآن والفقه والتفسير والحديث وغيرها من العلوم النافعة، وإجراء الأرزاق على العاملين فيها، وإنارتها وفرشها والوقف عليها، مما فيه مصلحة لها، كوقف مساكن للإمام والمؤذن والمعلم وطلاب العلم فيها وعمل المياضئ وغير ذلك من مصالحها.
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ١٨] الآية. قال: قد أثبت الإيمان في الآية لمن عَمَّر المساجد بالصلاة فيها وتنظيفها وإصلاح ما وهي منها وآمن بالله.
[الأدلة من الكتاب على مشروعية عمارة المساجد]
الأدلة من الكتاب على مشروعية عمارة المساجد جاء الحث على عمارة المساجد في كتاب الله تعالى إما
1 / 9
في عموم الأدلة الدالة على مشروعية الإنفاق في سبيل الخير وإما نصا صريحا في عمارة المساجد فهي على نوعين:
النوع الأول: النصوص العامة: ومن ذلك:
(١) قوله تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ٩٢] ففي هذه الآية حث على الإنفاق في سبيل الخير، واستنهاض للهمم في الإنفاق من أغلى ما يملكه الإنسان في سبيل الله تعالى، ولذلك لما سمع أبو طلحة ﵁ هذه الآية بادر إلى وقف أحب أمواله إليه، وهي بيرحاء (حديقة مشهورة) .
(٢) قوله تعالى: ﴿وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: ١١٥]
النوع الثاني: الأدلة الخاصة بعمارة المساجد: ومن ذلك:
(١) قوله تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ [النور: ٣٦] والمراد بالبيوت هنا المساجد، ومعنى
1 / 10
أذن: أي أمر وقضى، ومعنى ترفع: تبنى وتعلى، قاله مجاهد وعكرمة فيما نقله القرطبي.
وقال الشيخ ابن سعدي: ﴿أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ [النور: ٣٦] هذان مجموع أحكام المساجد، فيدخل في رفعها: بنائها، وكنسها وتنظيفها من النجاسات والأذى، وصونها من المجانين والصبيان الذين لا يتحرزون عن النجاسات، وعن الكفار، وأن تصان عن اللغو فيها، ورفع الأصوات بغير ذكر الله. فالله تعالى أمر ووصى بعمارة المساجد والقيام عليها وصيانتها، بل ذكر تعالى أن عمارة المساجد هي وظيفة الأنبياء كما في قوله تعالى:
(٢) ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: ١٢٧] فالله تعالى يشيد بنبيه وخليله إبراهيم ﵇ ببناءه للبيت الحرام. وتشير الآية إلى أن بناء المساجد من الأعمال الخيرية التي يثاب عليها الإنسان مع القبول، فجاء في آخر الآية ما يرشد إلى أن بناء البيت من الأعمال الصالحة التي عملها
1 / 11
إبراهيم مع ابنه إسماعيل، حيث سألا ربهما أن يتقبل منهما عملهما إنه هو السميع العليم.
(٣) قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ [التوبة: ١٨] ففي هذا النص القرآني شهادة لعُمَّار المساجد، ذلك أن عمارة المساجد من شأن المؤمنين وهم الحقيقيون بعمارة المساجد حسيا ومعنويا.
[الأدلة من السُنَّة على مشروعية عمارة المساجد]
الأدلة من السُنَّة على مشروعية عمارة المساجد وردت أحاديث كثيرة عن النبي ﷺ في عمارة المساجد وبنائها، فمن ذلك:
(١) حديث عثمان ﵁ وفيه: أني سمعت النبي ﷺ يقول: «من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة» .
(٢) رواية محمود بن لبيد أن عثمان قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
1 / 12
«من بنى مسجدا لله بنى له في الجنة مثله» .
(٣) عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله بنى الله له بيتا في الجنة» .
(٤) عن أنس أن النبي ﷺ قال: «من بنى لله مسجدا صغيرا كان أو كبيرا بنى له الله بيتا في الجنة» .
(٥) عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ قال: «من بنى مسجدا لله كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة» .
(٦) عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته عِلْما عَلَّمه ونشره، وولدا صالحا تركه، ومصحفا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته» .
(٧) ما رواه البخاري وغيره عن أنس ﵁ لما قدم رسول الله ﷺ المدينة أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى بني النجار فقال:
1 / 13
«يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا» .
[الأدلة على مشروعية المساجد الحسية من آثار الصحابة والتابعين]
ما أثر عن الصحابة والتابعين في مشروعية عمارة المساجد لقد كان رسول الله ﷺ أسوة حسنة لأصحابه رضوان الله عليهم، فحين بدأ الرسول ﷺ لم يتخلفوا عن مشاركته في عمارة المسجد، بل ساهموا في توسعة المسجد مرات متعاقبة، وكان لأحاديث رسول الله ﷺ في عمارة المساجد مكانة في نفوس أصحابه، فأنشأوا المساجد وعمروها في أماكن مختلفة، ومواقع متعددة أشير إلى بعض مساهمات الصحابة والتابعين في هذا المجال، فمن ذلك:
(١) بناء أبي بكر الصديق مسجدا بفناء داره وذلك قبل الهجرة، مما يعد أول ما بني من المساجد في الإسلام، فعن عائشة زوج النبي ﷺ قالت: (لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله ﷺ طرفي النهار وبكرة وعشية، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره،
1 / 14
فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين) .
(٢) بناء عمار بن ياسر مسجدا يصلي فيه، وهو أول ما بني في الإسلام بالمدينة، فقد ذكر الجراعي بعض الروايات التي تفيد أن أول من اتخذ مسجدا في بيته يصلي فيه عمار بن ياسر. وأشار إلى سبق أبي بكر لعمار في بناء المسجد، فيكون المراد أن عمار بنى أول مسجد في الإسلام بالمدينة.
(٣) مشاركة الصحابة رضوان الله عليهم في بناء مسجد قباء، وهو المسجد الذي أسس على التقوى المذكور في قوله تعالى: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: ١٠٨] ومسجد قباء كان أسس بالمدينة أول يوم، فإنه بني قبل مسجد النبي صلى الله ﷺ. ولقد قام رسول الله ﷺ يشاركه صحابته الكرام ببناء مسجد قباء، وكان رسول الله ﷺ أول
1 / 15
مَنْ وضع حجرا في قبلته، ثم جاء أبو بكر فوضع حجرا إلى جانب حجر رسول الله، ثم جاء عمر بحجر فوضعه إلى حجر أبى بكر، ثم جاء عثمان بحجر فوضعه إلى جنب حجر عمر، ثم قال رسول الله ﷺ: «ليضع كل رجل حجره حيث أحب» .
(٤) المشاركة في بناء مسجد رسول الله ﷺ: فعن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ قدم إلى المدينة فنزل في علو المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، ثم إنه أرسل إلى ملأ بني النجار فجاءوا متقلدين بسيوفهم. قال: فكأني أنظر إلى رسول الله ﷺ على راحلته وأبو بكر ردفه، وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب. قال: فكان رسول الله ﷺ يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم، ثم إنه أمر بالمسجد. قال: فأرسل إلى ملأ بني النجار فجاءوا فقال ﷺ: «يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا» قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله. قال أنس: فكان فيه ما أقول: كان فيه نخل وقبور
1 / 16
المشركين وخرب، فأمر رسول الله ﷺ بالنخل فقطع، وبقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسويت قال: فصفوا النخل قبلة وجعلوا عضادتيه حجارة، ولم يكتف عمر ببناء المسجد الأقصى فقط، بل أمر ببناء مسجد عند كل كنيسة.
بالإضافة إلى إنشاء المساجد فقد كان للصحابة والتابعين جهود مشكورة في أعمال التوسعة للمساجد القائمة، وسأقتصر على ذكر بعض التوسعات في المساجد الثلاثة فقط.
أولا: المسجد الحرام: بادر صحابة رسول الله ﷺ والتابعون إلى توسعة المسجد الحرام كلما اقتضت الحاجة لذلك، فكانت أول توسعة للمسجد الحرام في خلافة عمر بن الخطاب ﵁، ثم في عهد عثمان ﵁ وعبد الله بن الزبير، ثم توالت التوسعات من حكام المسلمين من أمويين وعباسيين ومماليك وعثمانيين.
ثم بعد ذلك تعاقب على توسعته وعمارته حكام المسلمين على مر التاريخ، فعمَّره المماليك ثم العثمانيون، حتى كانت العمارة والتوسعة العملاقة في العهد السعودي والتي لم
1 / 17
تتوقف حتى الآن، وآخرها توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله، وهي مستمرة ومتجددة لا تتوقف.
ثانيا: المسجد النبوي: كما قام صحابة رسول الله ﷺ والتابعون بتوسعة المسجد الحرام فلم يقصروا في عمارة وتوسعة المسجد النبوي الشريف فأول توسعة للمسجد النبوي الشريف كانت في حياة الرسول ﷺ، حينما دعا رسول الله ﷺ إلى توسعة المسجد، فبادر عثمان بن عفان ﵁ بالقيام بتكليف هذه التوسعة، فعن قتادة ﵁ قال: كانت بقعة إلى جانب المسجد، فقال النبي ﷺ: «من يشتريها ويوسعها في المسجد وله مثلها في الجنة» فاشتراها عثمان فوسعها في المسجد، وفي عهد أبي بكر الصديق ﵁ احتاج المسجد إلى بعض الإصلاحات، فجدده أبو بكر ﵁، وفي خلافة عمر بن الخطاب قام عمر ﵁ بتوسعته وبنائه سنة سبع عشرة للهجرة.
وفي عهد عثمان ﵁ جدده عثمان تجديدا
1 / 18
كاملا سنة تسع وعشرين هجرية وزاد فيه زيادة كبيرة، فزاد فيه من ناحية القبلة ومن الغرب، وزاد فيه من الشمال أيضا، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة، وطلى الجدران بالقصة أو الجبس، وجعل عمده من الحجارة بدل اللبن، وسقفه بخشب الساج، وفتح نوافذ في أعلى الجدار قرب السقف.
ثم بعد ذلك توالت التوسعات وتحسين العمارة على أيدي الحكام المسلمين من أمويين وعباسيين وغيرهم، حتى أعاد الخليفة الوليد بن عبد الملك بناءه فيما بين سنتي ثمان وثمانين وإحدى وستين هجرية، وذلك على أيدي واليه في المدينة عمر بن عبد العزيز، فزاد فيه من جهة الشرق والغرب والشمال، وأدخل فيه حجر زوجات النبي ﷺ، وكان البناء من الحجارة المنقوشة، وجعل سواريه من الحجارة المطابقة، وحشيت بعمد الحديد. إلى أن جاءت التوسعة السعودية الكبيرة وآخرها توسعة خادم الحرمين الشريفين العملاقة جزاه الله عن المسلمين خيرا.
ثالثا: المسجد الأقصى: لا شك أن أول من بنى المسجد الأقصى بعد الفتح
1 / 19
الإسلامي هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ولقد اهتم الخلفاء والملوك ببناء المسجد الأقصى وعمارته في مختلف العصور، وبقي عامرا حتى احتله اليهود فهدموا كثيرا من المباني الإسلامية، وأحرقوا المسجد وأقاموا الحفريات حوله نسأل الله تعالى أن يخلصه من أيديهم.
1 / 20
[مشروعية الوقف على المساجد]
مشروعية الوقف على المساجد الوقف لغة: مصدر وقف وهو الحبس والتسبيل.
وشرعا: هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.
قد دل الكتاب والسنة وإجماع الصحابة على مشروعية الأوقاف.
فمن الكتاب: قوله تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢] فإن أبا طلحة ﵁ لما سمعها بادر إلى وقف أحب أمواله إليه، وهي بيرحاء (حديقة مشهورة) .
ومن السنة: (١) ما رواه مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية أو علْم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له»، والصدقة الجارية محمولة عند العلماء على الوقف، ولذلك قال النووي في شرح هذا الحديث: فيه دليل لصحة أصل الوقف وعظيم ثوابه. . . والصدقة الجارية هي الوقف.
1 / 21