The Acts of Worship in Islam and Their Impact on Muslim Unity
العبادات في الإسلام وأثرها في تضامن المسلمين
خپرندوی
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
د ایډیشن شمېره
السنة السادسة عشرة
د چاپ کال
العدد الواحد والستون - محرم- صفر- ربيع الأول ١٤٠٤هـ
ژانرونه
مدخل
العبادة في اللغة
...
العِبَادَاتُ في الإسلام وَأثرُهَا في تَضَامُن المسلِمِينَ
للدكتور علي عبد اللطيف منصور أستاذ مشارك بكلية الدعوة وأصول الدين
العبادة في اللغة:
أصل العبادة في اللغة: التذليل من قولهم طريق معبد أي بكثرة الوطء عليه، ومنه أخذ العبد لذله لمولاه.
"والعبادة والخضوع والتذلل والاستكانة قرائب في المعاني يقال تعبد فلان لفلان، أي تذلل له.
وكل خضوع ليس فوقه خضوع: فهو عبادة، طاعة كان للمعبود أو غير طاعة وكل طاعة لله على وجه الخضوع والتذلل فهي عبادة.
والعبادة: نوع من الخضوع لا يستحقه إلا المنعم بأعلى أجناس النعم كالحياة والفهم والسمع والبصر"١.
والعبدية، والعبودية، والعبودة، والعبادة: الطاعة.
والاعتباد، والاستعباد: التعبيد.
وتعبد أستنسك، وتعبد فلانا: اتخذه عبدا ٢.
العبد: الإنسان حرًا كان أو رقيقًا، يذهب بذلك إلى أنه مربوب لباريه ﷿.
والعبد المملوك خلاف الحر. قال سيبويه: هو في الأصل صفة. قالوا. رجل عبد، ولكنه استعمل استعمال الأسماء والجمع أعبد وعبيد. مثل أكلب وكليب. وهو جمع عزيز وعباد وعبد، مثل: سقف وسقاف وسقف.
وأنشد الأخفش:
_________
١ المخصص لابن سيدة: (١٣/٩٦) .
٢ القاموس المحيط: (١/٣١١) .
1 / 112
انسب العبد إلى آبائه ... أسود الجلدة من قوم عبد
وقال الليث: في قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُد﴾ أي نطيع الطاعة التي يخضع معها، وقيل إياك نوحد.
قال: ومعنى العبادة في اللغة: الطاعة مع الخضوع. ومنه طريق معبد. إذا كان مذللا بكثرة الوطء. وقوله تعالى: ﴿وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ﴾ أي دائنون وكل من دان لملك فهو عابد له.
قال ابن الأنباري: فلان عابد، وهو الخاضع لربه المنقاد لأمره.
وقوله تعالى: ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ أي أطيعوا ربكم.
والمتعبد: المنفرد بالعبادة.
والمعبد: المكرم المعظم. كأنه يعبد. قال:
تقول: ألا تمسك عليك فأنني-أرى المال عند الباخلين معبدا
والتعبيد: التذليل. وبعير معبد: مذلل. وطريق معبد: مسلوك مذلل ١.
والمتأمل في هذه النقول التي أوردتها عن فقهاء اللغة يجد أن المعاني التي ذكروها بيانا لهذه الكلمة، أعني العبادة لا تتجاوز هذه المعاني:
الخضوع، الطاعة، التذلل، التنسك.
_________
١ لسان العرب: (٤/٢٦٤) .
العبادة في الشرع: عبارة عما يجمع كمال الخضوع والمحبة، والخشية لله تعالى. يقول ابن تيمية رحمة الله"والعبادة: أصل معناها الذل. يقال طريق معبد، إذا كان مذللًا، قد وطئته الأقدام. لكن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل، ومعنى الحب فهي تتضمن غاية الذل لله تعالى بغاية المحبة له، فإن آخر مراتب الحب: هو التتيم، وأوله. العلاقة لتعلق القلب بالمحبوب، ثم الصبابة لانصباب القلب إليه، ثم الغرام: وهو الحب الملازم للقلب، ثم العشق، وآخرها التتيم". يقال: تيم الله. أي عبد الله فالمتيم: المعبد المحبوب، ومن خضع لإنسان مع بغضه له لا يكون عابدًا له. ولو أحب شيئا ولم يخضع له لم يكن عابدا له. كما قد يحب الرجل ولده وصديقه.
العبادة في الشرع: عبارة عما يجمع كمال الخضوع والمحبة، والخشية لله تعالى. يقول ابن تيمية رحمة الله"والعبادة: أصل معناها الذل. يقال طريق معبد، إذا كان مذللًا، قد وطئته الأقدام. لكن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل، ومعنى الحب فهي تتضمن غاية الذل لله تعالى بغاية المحبة له، فإن آخر مراتب الحب: هو التتيم، وأوله. العلاقة لتعلق القلب بالمحبوب، ثم الصبابة لانصباب القلب إليه، ثم الغرام: وهو الحب الملازم للقلب، ثم العشق، وآخرها التتيم". يقال: تيم الله. أي عبد الله فالمتيم: المعبد المحبوب، ومن خضع لإنسان مع بغضه له لا يكون عابدًا له. ولو أحب شيئا ولم يخضع له لم يكن عابدا له. كما قد يحب الرجل ولده وصديقه.
1 / 113
ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله، بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شيء، وأن يكون الله أعظم عنده من كل شيء بل لا يستحق المحبة، والخضوع التام إلا الله تعالى.
وكل ما أحب لغير الله فمحبته فاسدة، وما عظم بغير تعظيم أمر الله فتعظيمه باطل، قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: ٢٤] .
فجنس المحبة تكون لله ولرسوله، كالطاعة، فإن الطاعة لله ولرسوله ولإرضاء الله ورسوله ﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ٦٢] .
والإيتاء لله ولرسوله ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ﴾ [التوبة: ٥٩] ١.
ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى:"العبادة: تجمع أصلين: غاية الحب بغاية الذل والخضوع، والعرب تقول: طريق معبد، أي مذلل والتعبد: التذلل والخضوع، فمن أحببته، ولم تكن خاضعا له لم تكن عابدا له، ومن خضعت له بلا محبة لم تكن عابدا له، حتى تكون محبا خاضعا"٢.
ويقول ابن كثير رحمه الله تعالى عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ "والعبادة في اللغة: من الذلة. يقال طريق معبد أي: مذلل، وفي الشرع: عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع، والخوف، وقدم المفعول، وهو إياك وكرره للاهتمام والحصر، أي لا نعبد إلا إياك، ولا نتوكل إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة، والدين يرجع إلى هذين المعنيين".
وهذا كما قال بعض السلف: الفاتحة سر القرآن، وسرها هذه الكلمة ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين﴾ فالأول: تبرؤ من الشرك، والثاني: تبرؤ من الحول والقوة. والتفويض إلى الله ﷿، وهذا المعنى في غير ما موضع من القرآن الكريم كما قال تعالى: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾] هود: ٢٣ [﴿قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ
_________
١ العبودية لابن تيمية: ٤٤/٥٥.
٢ مدارج السالكين: ١/ ٢٤.
1 / 114
تَوَكَّلْنَا﴾] الملك: ٣٩ [﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا﴾] المزمل:٩ [، وكذلك هذه الآية الكريمة ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾] الفاتحة: ٤ [١.
ومن هنا نستطيع أن ندرك أن العبادة التي قصد إليها الشارع، والتي تعلى الإنسان وتشرفه، وترفع من قدره ومكانته، وتجعله يحس بإنسانيته وكرامته، هي تلك التي تجمع بين الخضوع لله تعالى، والمحبة له، والخشية منه.
وكلما اكتملت هذه المعاني في عبد كان أقرب إلى ربه، وأكرم عليه من غيره، وأحق بالأمانة في الدين، وقيادة المتقين، والحديث عن رب العالمين.
وأساس الخضوع لله تعالى هو: الإحساس الصادق بهيبته وعظمته، وسلطانه وقدرته، وأنه المعطي المانع، الضار النَافع، المحيي المميت، الخافض الرافع، المعز المذل، السميع البصير، الغني عن كل ما سواه، والمحتاج إليه جميع ما عداه.
والإنسان يكون في قمة التواضع، إذا سجد لخالقه ومولاه، وقام بحق مَنْ خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، وهو في ذلك يكون في أسمي حالات القرب، وأرجى أسباب القبول. يقول رسول الله ﷺ:"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء"٢.
وفي معناه قول الله تعالى لنبيه ﷺ ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾] العلق: ١٩ [وفي السجود: كمال الخضوع والانقياد لمن بيده ملكوت كل شيء، وهو الله رب العالمين وكمال الخضوع إنما يتم إذا استجاب العبد لربه، وآثره على ما سواه، وقدم شريعته على كل الشرائع، وأمره على كل الأمور، وعرف معرفة الشاكرين عظيم حقه عليه، ورحمته به، وجميل إحسانه إليه.
والإنسان الذي يحسر بعظيم فضل ربه عليه وإحسانه الدائم، وعفوه وستره. ورحمته ومغفرته، فإنه يحب ربه أعظم الحب، ويتفانى في إرضائه أشد التفاني ومعنى حبه لله، أن يحب ما أحبه الله، ويبغض ما أبغضه الله، مسارعا إلى مرضاته، فارا من سخطه إلى رضاه ومن معصيته إلى طاعته، ومنه إليه.
والله سبحانه يحب من عباده صادق الإيمان به وكامل الإخلاص له، وعظيم التوكل
_________
١ تفسير ابن كثير: ج١ ص٢٥.
٢ رواه أحمد ومسلم.
1 / 115
عليه، وجميل الثقة بوعده ثم هو يحب المتقين، ويحب المحسنين، ويحب الصابرين فهو يحب من الأعمال والناس ما أحبه الله، فيبادله الله تعالى حبًا بحب، وودًا بود، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾] مريم: ٩٦ [. والذين عرفوا ربهم وأحبوه، أحبوا رسوله محمدًا ﷺ الذي عرفهم به، ودلهم عليه، بل لا يتم الإيمان حتى يكون الرسول ﷺ أحب الإنسان من نفسه التي بين جنبيه يقول ﵊:"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده، والناس أجمعين"١.
ومحبة الله ورسوله ﷺ هي: غاية الغايات، ونهاية النهايات ومطلب الأخيار الأبرار، إذ هي لذة القلب نعيمه وراحته ورحمته، وجماله وأنسه وما من خلق قبل المحبة إلا هو طريقها ودليلها والموصل إليها كالتوبة والصبر، إن محبة الله ورسوله إذا حلت في القلب أثرت المحبوب على كل ما عداه، وقدمته على جميع مَنْ سواه، وكل محبة بعد ذلك فهي تابعة كمحبة المؤمن لأخيه المؤمن، وإيثاره على نفسه، وتنفيس كربته وستر عورته.
وأما الخوف الذي أضافه ابن كثير إلى تعريف العبادة فهو يعطي أن عباد الله الذين عرفوا ربهم، وخضعوا له واستجابوا لأمره، وأثمرت لهم هذه المعرفة حبًا وشوقًا، يخشون ربهم، ويخافونه، وهم دائما بين خوف ورجاء، وقد امتدح الله عباده، الذين يخشون ربهم ويخافون حسابه، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾] المؤمنون: ٥٧-٦١ [.
وكلما قويت معرفة العبد بربه، كلما اشتدت خشيته منه وتعظيمه له يقول ﵊."من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إنَّ سلعة الله الجنة"٢. وأدلج: سار من أول الليل. والمعنى: التشمير في الطاعة.
والعبادة بعناصرها المتقدمة لا تكون صحيحة ومقبولة إلا إذا وقعت على الوجه المشروع، وقصد بها صاحبها وجه الله وحده، قال تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾] الكهف: ١١٠ [.
_________
١ رواه البخاري.
٢ رواه الترمذي وقال حديث حسن.
1 / 116
وقال سبحانه: ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾] البقرة:١١٢ [.
ويقول ﵊:"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه"١.
ويقول ابن الجوزي ﵀:"واعلم أن الطريق الموصلة إلى الحق سبحانه، ليست مما يقطع بالأقدام، وإنما يقطع بالقلوب، والشهوات العاجلة قطاع الطريق، والسبيل كالليل المدلهم، غير أن عين الموفق بصر فرس، لأنه يرى في الظلمة كما يرى في الضوء، والصدق في الطلب منار أين وجد يدل على الجادة، وإنما يتعثر من لم يخلص، وإنما يمتنع الإخلاص ممن لا يراد فلا حول ولا قو إلا بالله"٢.
_________
١ متفق عليه.
٢ صيد الخاطر لابن الجوزي: ٣٥٥
أثر العبادات الإسلامية في تضامن المسلمين إجمالا مدخل ... أثر العبادات الإسلامية في تضامن المسلمين إجمالًا: والعبادات التي تترك آثارها الطيبة، ونتائجها العظيمة، في وحدة المسلمين وتضامنهم، ليست انطواء أو انزواء، أو عزلة عن الحياة، والأحياء، للقيام ببعض الشعائر كالصلاة والذكر كما يتصور بعض الناس، ويظنون أنهم إذا قاموا بذلك منقطعين عن الحياة والأحياء، فهم العباد. هذا مفهوم خاطئ، وقاصر. فمفهوم العبادة في الإسلام أرحب وأشمل، وأدق وأعمق من هذا التصور المحدود. إن العبادة في الإسلام تشمل كيان الإنسان كله كما تشمل الحياة بأسرها. ولذا فان العبادات إذا فهمت فهمًا صحيحًا وطبقت تطبيقًا دقيقًا أعطت مجتمعًا قويًا متينًا كالبنيان المرصوص، يسعى بذمته أدناه، ويكون يدا على من سواه. والعبادات التي جاءت في حديث جبريل المشهور من صلاة وزكاة وصيام وحج، أرسيت دعائمه عليها. سئل شيخ الإسلام ابن تيمية، عن قول الله ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ .
أثر العبادات الإسلامية في تضامن المسلمين إجمالا مدخل ... أثر العبادات الإسلامية في تضامن المسلمين إجمالًا: والعبادات التي تترك آثارها الطيبة، ونتائجها العظيمة، في وحدة المسلمين وتضامنهم، ليست انطواء أو انزواء، أو عزلة عن الحياة، والأحياء، للقيام ببعض الشعائر كالصلاة والذكر كما يتصور بعض الناس، ويظنون أنهم إذا قاموا بذلك منقطعين عن الحياة والأحياء، فهم العباد. هذا مفهوم خاطئ، وقاصر. فمفهوم العبادة في الإسلام أرحب وأشمل، وأدق وأعمق من هذا التصور المحدود. إن العبادة في الإسلام تشمل كيان الإنسان كله كما تشمل الحياة بأسرها. ولذا فان العبادات إذا فهمت فهمًا صحيحًا وطبقت تطبيقًا دقيقًا أعطت مجتمعًا قويًا متينًا كالبنيان المرصوص، يسعى بذمته أدناه، ويكون يدا على من سواه. والعبادات التي جاءت في حديث جبريل المشهور من صلاة وزكاة وصيام وحج، أرسيت دعائمه عليها. سئل شيخ الإسلام ابن تيمية، عن قول الله ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ .
1 / 117
١- ما العبادة؟
٢- وما فروعها؟
٣- وهل مجموع الدين داخل فيها أم لا؟
٤- وما حقيقة العبودية؟
٥- وهل هي أعلى المقامات في الدنيا والآخرة أم فوقها شيء من المقامات؟
وليبسط لنا القول في ذلك.
فأجاب ﵀ إجابة مسهبة تضمنتها رسالته: العبودية.
قال ﵀:"العبادة اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان للجار واليتيم، والمسكين وابن السبيل، والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء والذكر والقراءة، وأمثال ذلك من العبادة، وكذلك حب الله ورسوله، وخشيته والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك هي من العبادة، وذلك أن العبادة هي: الغاية المحبوبة والمرضية له التي خلق الخلق لها كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾] الذاريات: ٦٥ [.
وبها أرسل الله جميع الرسل كما قال نوح لقومه: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه﴾] الأعراف:٥٩ [.
وكذلك قال هود وصالح وشعيب لقومهم، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ﴾] الأعراف: ٧٣ [.
وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾] الأنبياء: ٢٥ [.
وقال تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾] الأنبياء: ٩٢ [.
كما قال في الآية الأخرى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾] المؤمنون: ٥١-٥٢ [.
وجعل ذلك لازما لرسوله ﷺ إلى الموت كما قال ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾] الحجر: ٩٩ [.
1 / 118
وبذلك وصف ملائكته وأنبياءه فقال تعالى: ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ﴾] الأنبياء:١٩-٢٠ [.
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾] الأعراف:٢٠٦ [.
وذم المستكبرين عنها بقوله: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾] غافر:٦٠ [.
ونعت صفوة خلقه بالعبودية له فقال تعالى: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾] الإنسان: ٦ [.
وقال سبحانه: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾] الفرقان: ٦٣ [.
ومن هذا البيان الرائع، والتفصيل الممتع الذي ذكره الإمام ابن تيمية ١، يظهر لنا أثر العبادات في الأفراد والجماعات، أما أثرها في الأفراد فتتمثل في تقويم أخلاقهم، وتزكية نفوسهم وتوجيههم الوجهة النافعة، وتصوغهم صياغة جديدة ترتكز على الصلة بالله، والتعرف إليه، وإبراز الخصائص العليا الكامنة فيهم، وتطهيرهم من الغرائز السفلى وفي سبيل تحقيق هذه الغاية أوصى الله عباده بالفضائل وحذرهم من الرذائل فقال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾] النمل: ٩٠ [.
فأثر العبادات واضح في تقويم الأخلاق وتزكية النفوس، وشحز العزائم إلى جانب أنها تزكي في العبد ملكة المراقبة لربه، وترقى به إلى درجة الإحسان الذي قال عنه ﵊:"الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"٢.
وإذا نظرنا في الأَحاديث، كهذا الذي مر آنفا وكالحديد الذي يقوله فيه ﵊ لابن عباس وكان رديفه "يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله.. . الخ"٣.
إذا رأينا في هذه الأحاديث الكلام الموجه للفرد فإن المقصود به الأفراد ومن مجموع الأفراد تتكون الجماعات والأمم.
_________
١ العبودية لابن تيمية: ٣٨-٤٠.
٢ البخاري.
٣ رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
1 / 119
وأثر العبادات في الجماعات،"ودعم روابطها وبناء علاقتها على أسس راسخة من العدل والإخاء والأهداف والإحسان. أثر واضح يتمثل في صياغتهم صياغة إنسانية كاملة بتأليف بناء قوي متماسك قائم على العدل والمساواة، والإحسان، والإيثار، والبر والرحمة، والتعاون على جلب الخير، ودفع الضرر، إن الجماعة التي ينشدها الإسلام هي الجماعة المتماسكة المترابطة التي تكونت من اللبنات الصالحة التي بدأت بالإخاء، ثم تجاوزته إلى الحب، ثم علت حتى صارت إلى الإيثار، ومن هنا ندرك أن الجماعة التي يريدها الإسلام لها سمات ومميزات:
أولًا: أنها الجماعة المؤمنة وباسم الإيمان ناداها رب العالمين في كثير من الآيات لتستشعر النعمة وتحس بالفضل قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾] آل عمران:١٠٢-١٠٣ [.
ثانيًا: أنها الجماعة التي يحكمها العدل والإنصاف يقول الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾] المائدة: ٧ [.
ثالثًا: أنها الجماعة التي يقودها خيارها، ويتولى أمرها حكماؤها وعلماؤها.
رابعًا: أنها الجماعة التي تتواصى بالخير والحق، وتتعاون على البر والتقوى وتتناصح على مكارم الأخلاق، ومحاسن الصفات يقول الله سبحانه: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾] العصر [.
خامسًا: أنها الجماعة التي تستعذب الجهاد في سبيل الله وتقدم النفس والنفيس والأهل والولد ابتغاء مرضاة الله ورفعا لدينه وإعلاء لكلمته ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾] التوبة: ١١١ [.
وهذه الجماعة التي اصطفاها الله لرسالته، وخصها بكرامته فارتقت إلى منصب العدالة، وتسلمت درجة الشهادة، يقول سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا
1 / 120
لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾] الحج:٧٧- ٧٨ [.
وفي هاتين الآيتين الكريمتين نرى الأثر الواضح القوى للعبادات في الإسلام، وأثرها في المؤمنين به فهو يناديهم بأحب نداء إليهم وهو الإيمان ويأمرهم بمجموعة من العبادات ويخص منها الركوع والسجود ثم الأمر العام بالعبادة، والجهاد في سبيل الله، ويختمها بالأمر بالصلاة والزكاة والاعتصام بالله.
يقول الأستاذ سيد قطب في نهاية تفسيره للآيتين:"فالصلاة صلة الفرد الضعيف الفاني بمصدر القوة والزاد، والزكاة صلة الجماعة بعضها ببعض والتأمين من الحاجة والفساد والاعتصام بالله، العروة الوثقى التي لا تنفصم بين المعبود والعباد"١.
وهذه الجماعة التي انطبعت بطابع العقيدة وتأثرت بالتربية الربانية المتمثل في العبادات في الإسلام هذه الجماعة ليست خيالا، ولا شيئا محالا، وإنما ظهرت في عالم الواقع في العصر النبوي الكريم، وعصر الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين، ولهذا فقد أثنى الله عليهم في كتابه فقال: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾] آل عمران: ١١٠ [.
وقد أشار القرآن الكريم إلى ما سيكون لهذه الأمة من رفعة طالما كانت متمسكة بكتابه، مستجيبة لأمره قائمة بالعبادات وعمل الصالحات خير قيام.
قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾] النور: ٥٥ [.
ويقول الله تعالى ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾] التوبة: ٧٢ [.
ويقول الأستاذ سيد قطب ﵀ في ظلال القرآن عند تفسيره لهذه الآية ٢:"إن طبيعة المؤمن، هي طبيعة الأمة المؤمنة، طبيعة الوحدة، وطبيعة التكافل، وطبيعة التضامن، ولكنه التضامن في تحقيق الخير ودفع الشر ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
_________
١ في ظلال القرآن ٢٤٤٦.
٢ في ظلال القرآن ص١٦٧٥.
1 / 121
الْمُنْكَرِ﴾ وتحقيق الخير ودفع الشر يحتاج إلى الولاية والتضامن والتعاون، ومن هنا تقف الأمة الواحدة صفا واحدا لا تدخل بينها عوامل الفرقة وحيثما وجدت الفرقة في الجماعة المؤمنة فثمة ولابد عنصر غريب عن طبيعتها، وعن عقيدتها هو الذي يدخل بالفرقة ثمة غرض أو مرض يمنع السمة الأولى ويدفعها.
السمة التي يقررها العليم الخبير ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض﴾ يتجهون بهذه الولاية إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإعلاء كلمة الله، وتحقيق الوصاية لهذه الأمة في الأرض ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلاة﴾ التي تربطهم بالله، ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة﴾ الفريضة التي تربط بين الجماعة المسلمة، وتحقق الصورة المادية والروحية للولاية والتضامن.
﴿وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَه﴾ فلا يكون لهم هوى غير أمر الله وأمر رسوله ولا يكون لهم دستور إلا شريعة الله ورسوله، ولا يكون لهم منهج إلا دين الله ورسوله، ولا يكون لهم الخيرة إذا قضى الله ورسوله.
وبذلك يوحدون نهجهم، ويوحدون هدفهم، ويوحدون طريقتهم، فلا تتفرق بهم السبل عن الطريق الواحد الواصل المستقيم ﴿أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ﴾ والرحمة لا تكون في الآخرة وحدها إنما تكون في هذه الأرض أولا، ورحمة الله تشمل الفرد الذي ينهض بتكاليف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وتشمل الجماعة المكونة من أمثال هذا الفرد الصالح، رحمة الله في اطمئنان القلب وفي الاتصال بالله، وفي الرعاية والحماية من الفتن والأحداث ورحمة الله في صلاح الجماعة، وتعاونها، وتضامنها، واطمئنان كل فرد للحياة، واطمئنانه لرضاء الله"أه.
وبعد هذا العرض المجمل عن أثر العبادات في إصلاح الأفراد والجماعات وعن مدى النتائج الحتمية لذلك وهو التعاون والتراحم والتضامن والتلاحم الذي تكون به قوتهم وعزتهم وسعادتهم في الدارين.
والآن نتحدث عن أثر الصلاة والزكاة والصوم والحج في جمع كلمة المسلمين.
الصلاة: الصلاة هي الفريضة الأولى بعد الإيمان بالله ورسوله، وهي عماد الدين، من وفق إليها، وأعين عليها، فهو الموفق السعيد ومن حرم منها فهو الشقي البعيد، والصلاة التي نقصد الحديث عنها هي التي يخشع فيها صاحبها، ويحافظ على شروطها وآدابها، لا يقتصر دورها على أجر يثاب عليه المؤمن، وعذاب ينجو منه، وإنما تحفظه، وتنفي عنه الشرك
الصلاة: الصلاة هي الفريضة الأولى بعد الإيمان بالله ورسوله، وهي عماد الدين، من وفق إليها، وأعين عليها، فهو الموفق السعيد ومن حرم منها فهو الشقي البعيد، والصلاة التي نقصد الحديث عنها هي التي يخشع فيها صاحبها، ويحافظ على شروطها وآدابها، لا يقتصر دورها على أجر يثاب عليه المؤمن، وعذاب ينجو منه، وإنما تحفظه، وتنفي عنه الشرك
1 / 122
الظاهر والخفي، وتعود به إلى صفوف المتواضعين إن كان فيه شيء من الكبر، وترقى به إلى درجة الأعزاء إن كان فيه شيء من الذلة والخنوع، فالحاكم والمحكوم، والرئيس والمرؤوس، وأصحاب الثروة والقوة، والنفوذ والسلطان، والذين ليس لهم من ذلك شيء، كل هؤلاء متساوون في الوقوف بين يدي الله والإقبال عليه، لا فضل لأحد منهم على أحد، إلا بمقدار ما في قلبه من تقوى، وما تثمره هذه التقوى من خيرات وما تحجز عنه من موبقات، فكل أعمال الصلاة ترجع الأمر كله لله، يقف المصلون جميعا بين يدي ربهم يأتمون بإمام واحد كأنهم بنيان مرصوص، يعلنون الله أكبر، وإنها لنعم الكلمة التي تفتح بها تلك العبادة، إنها إعلان بأن الله أكبر من كل شيء ففي هذه الكلمة نفي للخوف والتردد، وإبعاد لشبح الهلع والفزع والجبن لذلك كان المؤمنون هم الذين يحققون الحكم التي يمكن أن تثمرها هذه الصلاة.
لذا هيأ الله تعالى بتشريعه وحكمته للصلاة، جوا طيبا من الإجلال والتعظيم، والخشوع والسكينة، والتعاون والاجتماع، ثم شرع الله تعالى الأذان للدعوة إليها والجمع عليها.
نداء لم تتجل فيه مقاصد الصلاة ومعانيها فحسب بل تجلت فيه كذلك مقاصد الإسلام، وشعائر التوحيد، ثم أقيمت لها المساجد تلك البيوت التي أذن الله فيها أن ترفع ويذكر فيها اسمه، والتي يتجلى فيها الوقار والسكينة، والخشوع والخضوع، فهي مهبط الرحمات، وملتقى الصالحين وموضع نظر الله في الأرض، فيها يتم التآلف والتعارف، والتوحد والترابط ويتعرف كل على حاجة أخيه قال تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ﴾] النور:٣٦-٣٧ [.
لقد كانت هذه المساجد مركز حياة المسلمين، وتعلمهم ودراستهم ومصدر الإصلاح والتوجيه، تعالج فيها قضايا المسلمين الدينية والاجتماعية ويعرفون في ساحاتها كل ما يرفع من شأنهم في حياتهم، ويكتب لهم السعادة بعد مماتهم، وكان رسول الله ﷺ إذا حدث حدث أو نزل بالمسلمين أمر أن ينادى في الناس (الصلاة جامعة) فيفيض إليهم بالنصح والتذكير ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويبصرهم بما يصلح من حالهم، ويوقظ من قلوبهم، ويشد من عزمهم، وظلت المساجد هكذا تؤدي رسالتها العظيمة في خدمة الإسلام، ودعم وحدة المسلمين فكانت القطب الذي تدور حوله رحى الحياة، وتتفجر فيها ينابيع العلم والهداية، وتنبثق منها أنوار الإصلاح والإرشاد وتنطلق منها موجات الكفاح والجهاد.
1 / 123
والمساجد تتجلى فيها عظمة الله وحده، فلا عظمة فيها لمخلوق ولا اختصاص لعظيم أو كبير، ولا فضل لذي حسب أو نسب، وهو مكان مشاع يتساوى فيه الناس جميعا، الحر منهم والعبد، والحاكم والمحكوم، والغني والفقير، قال تعالى في كتابه الكريم ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾] الحجرات: ١٣ [.
وشرع الله الجماعة للصلاة، وأبان الرسول ﷺ عن فضائلها فقال:"صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة"١.
وقد توعد النبي ﷺ على تركها، والتخلف عنها وأشار إلى أن ذلك من سمات المنافقين فقال ﵊:"والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم"٢.
وقال ﵊:"عليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية"٣.
وإذا حضر المؤمن الجماعة، عرف إخوانه وعرفوه فلو غاب عنهم سألوا عنه فإن كان غائبا دعوا له- ودعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب مستجابة- وإن كان مريضا عادوه فأثيبوا وأجروا، وجبروا خاطره وأدخلوا السرور عليه، وإن كان حاضرا زاروه، فتوطدت أواصر الأخوة، وتأكدت أسباب التضامن والمحبة.
بل إن في الجماعة بجانب ما سبق، حكم جليلة، ومصالح جمة بعضها اجتماعي وخلقي كالوحدة والاجتماع، والتعارف والتعاون، وبعضها ديني أخروي، كالمحافظة على الصلوات والتنافس في إحسانها وإتقانها، ومنها أن إخلاص المخلصين وخشوع الخاشعين يؤثر في الجماعة كلها، ويرى نوره من خلاها فيوقظ النفوس الخامدة، ويحرك الهمم الفاترة وقد يكون سببا في قبول عبادة الجميع.
وإكرام بعض الناس ببعض، أمر تقره قواعد الشريعة ويشهد به قول الرسول ﷺ "هم القوم لا يشقى بهم جليسهم"٤.
_________
١ متفق عليه.
٢ متفق عليه.
٣ رواه أبو داود.
٤ رواه البخاري.
1 / 124
نعم إن لاجتماع المسلمين، سرا عجيبا، في تدفق الرحمات، وهذا هو السر في صلاة الاستسقاء وجماعتها، وقد كان رسول الله ﷺ شديد الاهتمام بتسوية الصفوف، كثير الترغيب في إقامتها ووصلها، وسد خللها، شديد الإنكار على الإخلال بها والتفريط فيها، ذلك لأن فوائد الجماعة لا تتحقق ولا تكتمل إلا بالمحافظة عليهَا، وقيام المسلمين فيها كالبنيان المرصوص.
وشرع الله صلاة الجمعة، واختصها بشروط وآداب تزيد في جلالها، وترفع من شأنها، وتورث مزيدا من الاهتمام بها في جمع شمل المسلمين، تحت راية الدين، وهيمنة رب العالمين، وشرع الله الاغتسال في يوم الجمعة والتطيب والنظافة، وبين ما يترتب على ذلك من عطاء أخروي، إلى جانب ما نلمسه من أثر صحي واجتماعي.
يقول ﵊:"لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يصيب من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبن الجمعة الأخرى"١.
فإذا صعد الخطيب المنبر نصح الناس وذكرهم، ودعاهم إلى الله ويعرفهم بأمور دينهم ودنياهم.
وعلى ولاة الأمور من المسلمين تشجيع الخطباء، وتقبل انتقاداتهم على أنها نصائح فإن الدين النصيحة، وهي لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، والملائكة تشارك المؤمنين في سماع خطبة الجمعة قال ﵊:"إذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر"٢.
فإذا انتهت الخطبة، أمهم إمام واحد، فكانوا متراصين متساويين يركعون ركوعا واحدا، ويسجدون سجودا واحدا ويتجهون إلى قبلة واحدة هي الرمز لوحدتهم، والجمع لكلمتهم والعنوان الكامل لترابطهم وتضامنهم.
وقد شرع الله للمسلمين صلاة العيدين، يأتي عيد الفطر بعد شهر كامل يقضيه المسلمون، بين الصيام والقيام، والتلاوة والذكر والبر والرحمة، لقد جعله الله ميقاتا للعطاء، والتشرف بضيافة الله، وأما عيد الأضحى فيأتي في آخر عشر ذي حجة، وهي أيام وليال لها فضلها وميزتها، وفيها ذكريات جليلة، توقظ المشاعر، وتبعث الهمم، إنها ذكريات إبراهيم وإسماعيل ومحمد عليهم جميعا الصلاة والصلاة، وإذا كان ما يسمى
_________
١ رواه البخاري.
٢ رواه البخاري.
1 / 125
بالأعياد عند غير المسلمين مواسم تحرر وانطلاق، ومناسبات لذة وتمتع تتناقض أشد التناقض مع العبادات ومفهومها، فإن هذين العيدين، يبدءان بالصلاة لله رب العالمين، بشعار هو التكبير لدى الذهاب إلى الصلاة، وفي انتظارها، وفي الخطبة وبعدها ثم صدقة الفطر قبل صلاة عيد الفطر، والأضحية بعد صلاة عيد الأضحى، كما شرع في هذين العيدين الصلاة بالمصلى خارج البلد، إظهارا لشوكة المسلمين، وعنوانا على وحدتهم وتضامنهم.، وكبتا لعدوهم وتكثيرا لجمعهم، ليعظم لهم العطاء.
لقد كان للجمعة والجماعة، والعيدين، وصلاة الاستسقاء وصلاة الخوف في الأمصار والأقطار، فضل كبير في حفظ هذا الدين، وسلامة الشريعة والأوضاع الدينية، وبقائها على ما تركها عليه رسول الله ﷺ وأصحابه وبعدها عن تحريف المنحرفين وعبث العابثين، فلو كان المسلمون- أعاذهم الله من ذلك- تركوا الجمعة والجماعة، انفردوا بعباداتهم وصلواتهم في بيوتهم وقاموا بها منفردين منعزلين، موزعين مشتتين، لحرفت هذه الصلوات ومسخت مسخا كبيرا أفقدها أصالتها ووضعها الأولى، وتنوع المسلمون فيها، وصاروا فرقا وأقساما كما في كثير من مظاهر حياتهم المدنية، وآدابهم الاجتماعية وكان للصلاة أنماط ونماذج محلية كما هو حاصل لدى اليهود والنصارى.
لقد كانت هذه الجماعة عاملا كبيرا من عوامل وحدة المسلمين في العبادات وعاصما لأحكام الدين من التحريف، كما كانت سببا عظيما في تضامنهم، وجمع كلمتهم، وبلغ من اهتمام الإسلام بالجماعة أنه رغب في إقامتها، والحرص عليها حتى في أوقات المحن والشدائد، حين يلقى المسلمون عدوهم، ويواجهون خصومهم، لأن الصلاة في ذاتها سبب المعونة الإلهية، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾] البقرة: ١٥٣ [. ولأن في إقامتها مع الجماعة مزيدا من العون والعطاء، تتضاعف بركاتها، وتكثر خيراتها قال سبحانه: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾] النساء:١٠٢ [.
ولم تجز الشريعة الإسلامية ترك الصلاة، أو تأخيرها عن ميقاتها في أمن أو خوف، شدة أو رخاء، صحة أو مرض، سفرًا أو إقامة، إلا أنه قد جعل لكل حالة وضعا خاصا
1 / 126
يتلاءم مع تلك الحالة، يتحقق به التيسير، ورفع الحرج الذي أكرم الله تعالى به هذه الأمة، يقول الله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾] البقرة: ٢٣٨-٢٣٩ [.
الزكاة: لعل من نافلة الحديث أن نقول: إن المال مهم غاية الأهمية للأفراد والجماعات، وأنه قوام الحياة، وأساسها، وعليه تقوم النهضات، وتتقدم الحضارات، به صيانة الحرية، وقوة الشوكة، والعزة والمنعة، فذلك أمر واضح، لا يحتاج إلى بيان، ويكفي أن يصفه القرآن الكريم بأنه قيام الحياة، وينصح بالتوسط فيه إن ملكه المرء فلا يسرف حتى يقف عاجزا عن التصرف، ولا يقتر حتى يتعرض للسخط والملامة قال تعالى: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾] النساء:٥ [. ويقول جل شأنه: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾] الإسراء: ٢٩ [. ويثني على فريق من عباده بالتوسط في النفقة بين الإسراف والتقتير فيقول سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾] الفرقان: ٦٧ [. ولما كانت للمال هذه الأهمية في إعداد العدة، وأخذ الأهبة، كان الجهاد بالمال مقدما في القرآن الحكيم على الجهاد بالنفس، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾] الصف:١٠- ١١ [. وكان للنفقة في سبيل الله امتيازها عن الإنفاق في وجوه الخير الأخرى بزيادة أجرها، وكثرة أضعافها قال سبحانه: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾] البقرة: ٢٦١ [. ثم كان للمال الأهمية البالغة في دفع الحاجات، وتفريج الكربات بإطعام الجائع، وكسوة العاري، وفك ضائقة المحتاج، فإن الله تعالى أوصى بالبذل في هذه الوجوه،
الزكاة: لعل من نافلة الحديث أن نقول: إن المال مهم غاية الأهمية للأفراد والجماعات، وأنه قوام الحياة، وأساسها، وعليه تقوم النهضات، وتتقدم الحضارات، به صيانة الحرية، وقوة الشوكة، والعزة والمنعة، فذلك أمر واضح، لا يحتاج إلى بيان، ويكفي أن يصفه القرآن الكريم بأنه قيام الحياة، وينصح بالتوسط فيه إن ملكه المرء فلا يسرف حتى يقف عاجزا عن التصرف، ولا يقتر حتى يتعرض للسخط والملامة قال تعالى: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾] النساء:٥ [. ويقول جل شأنه: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾] الإسراء: ٢٩ [. ويثني على فريق من عباده بالتوسط في النفقة بين الإسراف والتقتير فيقول سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾] الفرقان: ٦٧ [. ولما كانت للمال هذه الأهمية في إعداد العدة، وأخذ الأهبة، كان الجهاد بالمال مقدما في القرآن الحكيم على الجهاد بالنفس، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾] الصف:١٠- ١١ [. وكان للنفقة في سبيل الله امتيازها عن الإنفاق في وجوه الخير الأخرى بزيادة أجرها، وكثرة أضعافها قال سبحانه: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾] البقرة: ٢٦١ [. ثم كان للمال الأهمية البالغة في دفع الحاجات، وتفريج الكربات بإطعام الجائع، وكسوة العاري، وفك ضائقة المحتاج، فإن الله تعالى أوصى بالبذل في هذه الوجوه،
1 / 127
وفرض من ذلك نصيبا معروفا في أموال الأغنياء يرد على الفقراء وسمي ذلك زكاة تارة وصدقة تارة، مشيرا بهذه الأسماء، إلى أمور اتسم بها البذل والإنفاق في الإسلام، لأن الزكاة لغة: التطهير والنماء، وهذا الجزء القليل الذي يبذله المؤمن الغني من ماله يطهر صاحبه من رذائل الشح والبخل، وقلة المبالاة بالناس، وعدم الاهتمام بهم، ثم يحليه بطائفة من الأخلاق الكريمة كالسخاء والإيثار، وحب الخير للناس، ورعاية المجتمع، قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾] التوبة: ١٠٣ [.
وسماه الله صدقة لأن بذل المال لله، وابتغاء مرضاته، دليل الإيمان وآية اليقين، وأمارة التصديق، قال ﵊:" ... والصدقة برهان"١.
والصدقات في الإسلام تقوم بوظائف شتى لذلك كان القرآن الحكيم حريصا على بيان مصاريفها بيانا قاطعا قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾] التوبة: ٦٠ [.
والمتأمل في هذا النص الكريم يرى ما ينطوي عليه نظام الصدقة من تكافل اجتماعي بين أبناء المجتمع الإسلامي، بمواساة الغني للفقير والمسكين، ومراعاة المجتمع للذين يتفرغون لشئون المجتَمع، وإعانتهم على القيام بما ندبوا إليه من ذلك خير قيام، ثم إعطاء المؤلفة قلوبهم وهم الذين دخلوا في الدين ولم يتمكن من نفوسهم التمكن الكامل، ثم يعطى المكاتبون لاستخلاص رقابهم، وشراء حريتهم، وفي هذا دليل على أن الإسلام توّاق إلى الحرية، معين عليها، مرغب في منحها، وهذا ملحظ سياسي واجتماعي عظيم، ثم من أحاطت به المكاره والديون، جعل الله له في ذلك المال نصيبا، يسدد به دَيْنه، ويستأنف به حياته، أما ابن السبيل وهو المسافر الذي نفد ماله أوضاع فينبغي أن يعان من الزكاة حتى يبلغ أهله، فإنه في هذه الحالة أخو الفقير والمسكين، وإن كان في بلده غنيا، والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه، أما الإنفاق في سبيل الله فهو قمة الإنفاق يقول ﵊:"من جهز غازيا فقد غزا، ومن خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا"١.
_________
١ جزء من حديث رواه مسلم.
1 / 128
إن الصدقات شرعت إذن سدا لحاجات الفقراء والمساكين، وتفريجا لكرب المحتاجين، وتثبيتا للإيمان في القلوب، وتحريرا للرقاب من ذل الرق، وإعزازا لدين الله، والدفاع عن حرمات الإسلام.
وهذا هو أحد جوانب الصدقات، وهو جانب العطاء، أما ما يترتب عليه وهو الذي يطلق عليه الجانب الاجتماعي، فهو الوجه الآخر لتشريع الصدقات.
ونستطيع أن نبين الأثر الاجتماعي للزكاة، حين نطرح السؤال الآتي: ماذا يكون الحال لو بخل الأغنياء بأموالهم على الفقراء والمحتاجين وعلى البذل في وجوه البذل الأخرى؟
والجواب: إن صورة المجتمع تصبح صورة مخيفة مفزعة، فالفقراء والمحتاجون تمتلئ صدورهم بالأحقاد والضغائن، وتمتد أيديهم إلى هذه الأموال التي لم يحصلوا عليها طواعية، ليستولوا عليها بوسائل أخر يفسد بها نظام الحياة ويصبح المجتمع طوائف متناحرة تتربص كل منها بالأخرى، وتغدوا الحياة جحيما لا يطاق.
ويقول قائل: إن الدول والحكومات تقوم بضرائب وجبايات وتبذل صدقات ومعونات، ألا تسد هذه مسد الزكاة؟ ألا تصلح عوضا عنها؟
والجواب: كلا، لأن ما يفرضه البشر على البشر لا يمكن بحال أن يرقى إلى ما شرع الله لعباده، فإن ما يفرضه البشر فيه قصورهم وأهواؤهم، وكثيرا ما يحمل ألوانا من التسلط والابتزاز، ثم هو في أغلب الأحيان يوضع في غير موضعه، ويوجه إلى غير مستحقيه، أما الزكاة التي شرعها العليم الحكيم لعباده فإن لها خصائص وسمات تميزها عما عداها، فمن أبرز هذه الخصائص أنها قربة لله ﷿، تصحبها النية والإخلاص، والاحتساب، لتكون مقبولة ولا شيء من ذلك يقصد في الضرائب، بل أنها في الأعم الأغلب تكون مصحوبة بروح السخط والمقت والاستثقال والإنكار، لأن دافع هذه الضرائب لا يعتقد أنها مشروعة من الله تعالى، ولا يرجو عليها ثوابا بل يعتقد أنها مفروضة عليه من أفراد منه مثله، وربما أقل منه، وأنها تنفق في كثير من الأحيان في الأهواء والشهوات، احتفاظا بسلطة أو خدمة لأفراد محدودين، لا يرافقها شيء من الترغيب في الإخلاف والجزاء، أو الترهيب من النكول والبخل، بل إنها كثيرا ما تؤدى تحت ضغط التهديد والتغريم، التي تزيد دافعها كراهية وسخطا.
ولهذه الحكمة البالغة، والتي لا تتأتى إلا فيما شرع الله سبحانه جاءت الزكاة في القرآن الكريم، وفي السنة المطهرة مشفوعة بما يرغب في إخراجها بطيب نفس، وصدق
1 / 129
نية، وكريم احتساب، وذلك ببيان ما يترتب على إخراجها من نتائج وثمرات في الدنيا والآخرة من إخلاف وثواب ونمو وبركة.
يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾] الحديد: ١١ [.
ويقول ﵊:"من تصدق بعَدْل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها لصَاحبها كما يربى أحدكم فلوه،. حتى تكون مثل الجبل" ١.
ويقول ﵊:"ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه"٢.
ويقول ﵊:"ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا"٣.
وينعى القرآن الكريم على أولئك الذين استولى الشح على نفوسهم فصاروا يعيشون في الحياة، ولا هم لهم إلا الجمع والمنع، يأخذونه من غير حله، ولا يضعونه في محله، فويل لهم حين أخذوه، وويل لهم حين بخلوا به، وويل لمن سلك في الجمع والمنع مسلكهم.
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾] التوبة: ٣٤- ٣٤ [.
ومن خصائص الزكاة، أنها تؤخذ من الأغنياء، وترد على الفقراء وهذا بخلاف الضرائب فإنها تؤخذ من الجميع، ثم أنها تنفق في وجوه إذا وزنت بميزان الشريعة تبين أنه إذا كان فيها الكريم المشروع، ففيها الخبيث الممنوع لقد كانت الزكاة بهذا التوجيه الذي يرعى جانب الفقير، ومصلحة الغني كذلك.
فإذا كان المرء بالشهادتين يدخل في الإسلام، فإنه بالصلاة قد أوفي بالجانب المهم في
_________
١ متفق عليه.
٢ رواه مسلم.
٣ متفق عليه.
1 / 130
عهده مع الله، وهو بالزكاة يبدأ عهدا جديدا مع إخوانه في الدين، وشركائه في المجتمع، عهدا ترفرف عليه رايات الحب، ويغمره التعاون والتراحم.
ومن هذه الخصائص أنها وسيلة لتقويم مؤديها، ورفعه إلى مقام المراقبة والإحسان، وتحليته بالفضائل النفسية الرفيعة، وقد أثنى الله ﷿ على المتصدقين من أجله، والباذلين لأموالهم ابتغاء مرضاته.
وذكره لأوصافهم ومشاعرهم يدل على ما وصلوا إليه من سمو لا يدانى ولا يمكن- بحال من الأحوال- أن يحصل فيما يشرع البشر للبشر. يقول الله سبحانه: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا﴾] الإنسان:٨-١٣ [.
ويقول سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾] المؤمنون: ٦٠- ٦١ [.
الصيام لا نعتقد أنه بوسعنا ولا بوسع بشر، مهما أوتي من علم، ورزق من حكمة أن يحيط علما بأسرار الله التي تضمنتها العبادات التي شرعها. والشعائر التي وضعها، ولولا أن الله -بمنه وكرمه- أوضح من ذلك جوانب، وأشار إلى أخرى، إيناسا للنفوس وجذبا للقلوب، ما كان لبشر أن يخوض في ذلك أو يتكلم فيه والتسليم معيار الإيمان، وميزان الإخلاص ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾] النور: ٥١-٥٢ [. وهذا الركن الذي نحن بصدد الحديث عنه وهو: الصيام له آثاره البعيدة المدى على النفوس، وله فوائده المحققة على المجتمع، في كافة جوانبه وأحواله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾] البقرة: ١٨٣ [. ويقول ﵊:"الصيام جنة" ١، وقد أمر ﵊، من اشتدت عليه شهوة النكاح- ولا قدرة له عليه- بالصيام. _________ ١ رواه البخاري.
الصيام لا نعتقد أنه بوسعنا ولا بوسع بشر، مهما أوتي من علم، ورزق من حكمة أن يحيط علما بأسرار الله التي تضمنتها العبادات التي شرعها. والشعائر التي وضعها، ولولا أن الله -بمنه وكرمه- أوضح من ذلك جوانب، وأشار إلى أخرى، إيناسا للنفوس وجذبا للقلوب، ما كان لبشر أن يخوض في ذلك أو يتكلم فيه والتسليم معيار الإيمان، وميزان الإخلاص ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾] النور: ٥١-٥٢ [. وهذا الركن الذي نحن بصدد الحديث عنه وهو: الصيام له آثاره البعيدة المدى على النفوس، وله فوائده المحققة على المجتمع، في كافة جوانبه وأحواله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾] البقرة: ١٨٣ [. ويقول ﵊:"الصيام جنة" ١، وقد أمر ﵊، من اشتدت عليه شهوة النكاح- ولا قدرة له عليه- بالصيام. _________ ١ رواه البخاري.
1 / 131