141

د د نوي شعر انقلاب له بودلیر نه تر اوسني عصر پورې (لومړۍ برخه): زده کړه

ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة

ژانرونه

1

مهد له الشاعر الكبير بودلير بعد أن ظهرت بوادره عند شاعر الرومانتيكية الألمانية نوفاليس والشاعر الكاتب الأمريكي إدجار ألن بو، ثم سار فيه الشاعران رامبو ومالارميه إلى أبعد الحدود التي يمكن أن يجسر الشعر على السير فيها. والواقع أن الشعر في القرن العشرين لم يعد يأتي بجديد. وليس في هذا القول ما يغض من قيمته أو يقلل من شأن بعض الشعراء المجيدين فيه، ولكنه يتيح لنا، أو بالأحرى يفرض علينا، التعرف على وحدة الأسلوب التي تربطه بأولئك الرواد العظام. ووحدة الأسلوب لا تعني الاطراد ولا الملل، ولكنها تدلنا على الروح العامة التي تجمع بين الشعراء على اختلافهم في النظرة والموضوع والأداء اللغوي والمنحنى الداخلي.

فنحن لا نستطيع مثلا أن نتحدث عن وحدة الأسلوب الشعري عند شاعرين مثل لامارتين وسان-جون بيرس في اللغة الفرنسية أو عند ليوباردي وأنجارتي في الإيطالية، أو جوته وجوتفريد بن في الألمانية، أو شوقي وأدونيس في العربية، ولكننا نستطيع أن نتحدث عن شعراء مثل رلكه وألبرتي وإليوت ورينيه شار، على ما بينهم من اختلاف في النشأة والنظرة والأصالة والمزاج. فوحدة الأسلوب التي نتحدث عنها هي سبيلنا الوحيد للاقتراب من هذا الحشد الهائل من القصائد التي تتأبى - عامدة - على الفهم المعتاد، تتلوها ولا شك خطوة أخرى للتغلغل في العبقرية الفردية لكل شاعر على حدة. والحق أن المجال لا يتسع للإشارة إلى هؤلاء الشعراء إلا في أضيق الحدود. وكل ما نستطيع أن نقوم به هو استكشاف الصورة المحيرة التي يقدمها الشعر المعاصر، وتبين بعض ظواهره الحية التي لا تزال تعمل عملها فيه منذ القرن الماضي.

المهم هو أن نعرف أن الظواهر التي رأت النور في القرن الماضي لا زالت تؤثر على الحياة الشعرية حتى اليوم. وسواء تبين لنا أن شاعرا من الشعراء قد تأثر بسلفه أو لم يتأثر، فإن ذلك لن يعفينا من التسليم بحقيقة هامة تسري على الشعر سريانها على سائر الفنون، ألا وهي أن لكل عصر روحه وأسلوبه الملزم، وأن هناك أسلوبا في الرؤية والإحساس والأداء لا يزال يسود الشعر الأوروبي منذ أكثر من مائة عام، ولا يصح أن ننخدع بكثرة المدارس والبرامج الأدبية التي ظهرت في أقل من قرن من الزمان. فقد لا يكون هذا التنوع الهائل سوى نوع من خداع البصر يبين لنا مدى خصوبة الشعر الحديث وتنوع إمكانياته وتعدد الفروق والظلال فيه، ولكن لا يجوز أن يحجب عن أعيننا وحدة البناء والروح العامة التي تسوده وتتغلغل فيه.

إن من يتصفح المراجع الحديثة في تاريخ الأدب يجدها تتحدث عن «المدرسة الرمزية» وتكاد تتفق على تحديد نهايتها بسنة 1900م. ولقد آثرنا تجنب هذا الاصطلاح المدرسي ما أمكن، إذ رأينا أن الخصائص المميزة لشعرائها الكبار لا تزال في مجموعها هي نفس الخصائص التي تميز الشعر في العصر الحديث، وأن تأثير أقطابها - وفي مقدمتهم مالارميه - لا يزال قويا على شعراء متأخرين مثل فاليري وجيان وأنجارتي وإليوت. وإذن فالأمر لا يخرج عن إحدى اثنتين؛ فإما أن الرمزية «لم تمت بعد» وإما أن الكلمة تعبر تعبيرا ناقصا عن أسلوب أدبي بذاته، ولا بد في هذه الحالة أن نقتصد في استعمالها أو تستغني عنها بوصف خصائص هذا الأسلوب وإبراز ظواهره.

والمهم بعد كل شيء هو ألا نغتر بالأسماء أو ننسى سياقها في التراث. وكل من يقرأ الدراسات النقدية التي تتناول الحياة الأدبية الأوروبية في نصف القرن الأخير لا بد أن تدهشه أو تفزعه كثرة المدارس والاتجاهات و«المودات» التي يلغي بعضها البعض! فمن دادية إلى مستقبلية إلى تعبيرية، ومن إبداعية إلى وضعية جديدة إلى سريالية إلى هرميتية أو إلغازية ... إلى آخر هذه الأسماء التي لن ينقطع سيلها مع تطور العصور. وكأنما هي صدى لتعدد الأحزاب السياسية وصراعاتها في بلاد البحر الأبيض بوجه خاص. ومع ذلك فلعل هذه الكثرة الهائلة أن تكون مظهرا صحيا من مظاهر الشعر الحديث الذي يؤكد أصحابه أنهم لا يكتبون للخلود وإنما يثبتون تجاربهم المستمرة في اللغة وحرصهم على قطع صلتهم بالماضي أو بالتراث الذي لا يمكن فهمهم مع ذلك إلا إذا عرفنا موضعهم منه.

ولننظر الآن في الظواهر العامة في شعر القرن العشرين، ولنحاول أن نقي أنفسنا شر التبسيط والتعميم. (1) تمجيد العقل أم تحطيمه؟

ليس من العسير أن نضع أيدينا على اتجاهين رئيسيين في بناء الشعر الحديث، سار فيهما رامبو ومالارميه في القرن الماضي. فهناك، إن شئنا التبسيط، ما يمكن أن نسميه بالشعر المتحرر من الشكل أو الشعر غير المنطقي في جانب، وهناك الشعر العقلي الملتزم بالشكل المحكم الدقيق من جانب آخر . وقد تم التعبير من كلا الاتجاهين سنة 1929م في صيغتين تناقض إحداهما الأخرى. فأما الصيغة الأولى فيعبر عنها فاليري بقوله: «ينبغي أن تكون القصيدة عيدا من أعياد العقل.» وأما الاتجاه الآخر المضاد فيعبر عنه رائد المدرسة السيريالية أندريه بريتون حين يقول: «إن القصيدة ينبغي أن تكون حطام العقل.» أو حين يقول بعد ذلك بقليل: «إن الكمال هو الكسل.» (المجلة السيريالية سنة 1929م).

ووجود هذين الضدين في شعر القرن العشرين شيء يرتبط بأسلوبه وصورته العامة، فليس الأمر - كما قد يبدو من النظرة السطحية - مجرد خلاف بين حزبين أدبيين متعارضين، بل هو تعبير عن توتر يشمل الشعر الحديث كله، وصراع تدور رحاه في وجدان الشاعر الواحد بين العقل والأسطورة، والنظام والحلم، والتجريد والهلوسة. وعلى الرغم من اختلاف النموذجين فهما يؤكدان مشاركتهما في وحدة البناء العام التي تميز الشعر الحديث. فالشعر العقلي والشعر غير المنطقي يشتركان في طرحهما للنزعات البشرية، وبعدهما عن العاطفية المألوفة، وتخليهما عن الشيئية المعتادة، وتأبيهما على الفهم المحدد، وإيثارهما للإيحاء بمعاني متعددة، وجعلهما من القصيدة كيانا مستقلا بنفسه يكمن مضمونه في لغته وخياله الطليق ولعبه بالأحلام لا في محاولة نسخ العالم أو التعبير عن العواطف. وكل هذه الصفات ستصدم القارئ العربي وتحيره لأنه اعتاد أن ينتظر من الشعر أن «يصور» و«يعبر»، ولكن لا بد له أن يتقبلها ويعود نفسه عليها إذا أراد أن يجد مدخلا إلى الشعر والفن التشكيلي والموسيقى الحديثة.

إن وحدة البناء في الشعر الحديث هي نفسها وحدة البناء في الفن الحديث بوجه عام، وهذا هو الذي يفسر تشابه الأساليب في الشعر والرسم والموسيقى. وهناك ظاهرة خارجية قد تؤكد هذا كله؛ فليس من قبيل الصدفة أن تنعقد أواصر الصداقة العميقة بين أقطاب الشعر والرسم والموسيقى الحديثة، وأن يشعروا بأنهم يشتركون في مغامرة واحدة، والصداقة التي كانت تربط بودلير بالرسام الشهير ديلاكروا، أو تجمع بين طائفة الرسامين والشعراء مثل هنري روسو وبيكاسو وبراك وأبوللينير وماكس جاكوب، أو بين لوركا ومانويل دي فايا وسلفادور دالي؛ أشهر من أن نتحدث عنها . أضف إلى هذا أن الرسامين والموسيقيين يلجئون في كثير من كتاباتهم التي توزع في معارضهم أو حفلاتهم إلى استخدام تعبيرات واصطلاحات يستعيرونها من كتابات الأدباء، والعكس أيضا صحيح. ولقد استطاع ديدرو أن يتوصل من تحليله لعدد من الرسوم إلى حقائق مذهل، وربما كان هذا نوعا من الإحساس بهذا البناء العام الذي تشترك فيه كل مغامرات الفن والأدب الحديث. (2) رأيان في الشعر الحديث

ناپیژندل شوی مخ