138

د د نوي شعر انقلاب له بودلیر نه تر اوسني عصر پورې (لومړۍ برخه): زده کړه

ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة

ژانرونه

ولا شك أنه قد شارك مشاركة قوية في نزعة الشعر الحديث كله إلى الجمع بين الشعر التأملي المجرد والتعبير عن أعماق النفس الضاربة في جذور السحر ونماذجه وشعائره القديمة، ولا شك أيضا أن السحر اللغوي في أشعاره كان هو الوسيلة التي استطاع عن طريقها - بالإضافة إلى غموض مضموناته - أن يخلق فيها تلك القدرة الهائلة على الإيحاء، وأن يخلصها من المعاني الثابتة والكلمات المباشرة والأساليب الجامدة والفهم المحدود. وسحر اللغة عنده يكمن في قوة تأثير النغم وطاقة الكلمات على تحريك الشاعرية نفسها. ويكفي أن نذكر كلمته المشهورة: «إن الشاعر يترك للكلمات حرية المبادرة» (ص366). كما نذكر العبارة التي يقول فيها: إن إيقاع اللامتناهي يأتي من استخدام الكلمات الملائمة بل الكلمات اليومية الشائعة، عندما يمر الإصبع «المتسائل» على «بيانو الألفاظ» (ص648). وسيعرف قارئ مالارميه بنفسه أن بعض قصائده لم تنشأ في الأصل عن فكرة أو معنى بل بدافع من الطاقة اللغوية التي تحملها الكلمات التي تستطيع - برنينها ونغمها الصوتي وحده - أن تستدعي كلمات أخرى ، ويظهر هذا بوضوح إذا راجعنا بعض قصائده في صياغتها الأولى وقارناها بصيغتها الأخيرة. ولولا خوفي أن أثقل على القارئ لعرضت عليه بعض النصوص الأصلية التي تبين كيف يأتي الشاعر في بعض الأحيان بكلمة لا تتصل بالموضوع ولا الفكرة، وإنما ترتبط بكلمة أخرى بنغمة معينة.

46

ولذلك فهناك أبيات كثيرة من شعره تثبت في الذاكرة وإن لم يتصور العقل لها أي معنى. ويؤكد هذا ما يقوله فاليري من أنه كان يستطيع أن يحفظ أغرب أبيات مالارميه، على الرغم من أن ذاكرته الضعيفة لم تكن تحتفظ بشيء على الإطلاق! ونستطيع نقول دون أن نخشى الوقوع في التعميم إن هذه الظاهرة تنطبق على نماذج كثيرة من الشعر الحديث، فكم من أشعار يحفظها الناس ويرددونها دون أن يفهموها! بل إن هذا قد يكون في بعض الأحيان مقياسا صحيحا لجودة القصيدة أو رداءتها! (15) الشعر الخالص

يمكننا الآن أن نتناول اصطلاحا أشرنا إليه مرات عديدة في سياق الكلام، ألا وهو اصطلاح الشعر المحض أو الشعر الخالص

وقد ورد ذكره في بعض نصوص «سانت بيف» وبودلير وغيرهما، كما ورد كذلك في كتابات مالارميه. والنقاد والدارسون في القرن العشرين يقصدون به نظرية في فن الشعر تستند إلى إنتاج مالارميه و«الرمزيين». أما مدلول الاصطلاح نفسه فيجب البحث عنه في كلمة «خالص» التي تتردد كثيرا في كتابات مالارميه النثرية والشعرية. فالكلمة تعني دائما «خالص من شيء ما»، وهو نفس معناها عند «كانت» الذي يصف التصورات (في مقدمة كتابه نقد العقل الخالص) بأنها تكون خالصة حين تخلو من كل ما يتعلق بالإحساس أو بالعيان. ومالارميه يقصد بها نفس الشيء تماما. فإذا قال إن الشيء خالص كان غرضه من ذلك أنه نقي من كل الشوائب التي يمكن أن تلحق به فتفسد ماهيته وحقيقته النقية. ويمكن أن نرجع إلى إحدى رسائله التي كتبها في سنة 1891م لنتبين معنى الكلمة بوجه عام من هذه العبارة: «تبديد الأشياء واستهلاكها باسم نقاء أساسي.»

شرط النقاء أو الخلاص الشعري إذن هو التجرد من الأشياء أو نفيها وإلغاؤها على نحو ما أشرنا في الفصول السابقة، ولا يقتصر الأمر على هذا، بل إن كل خصائص الشعر الحديث التي تعرضنا لها تتجمع في هذه الفكرة كما استخدمها مالارميه وسلمها للأجيال التالية. فهي تعني إهمال مواد التجربة اليومية والمضمونات التعليمية أو الهادفة، وصرف النظر عن الحقائق العملية والمشاعر العادية، ونشوة القلب أو التطرف في الانفعال. وعندما يخلو الشعر من كل هذه العناصر يصبح قادرا على الإيحاء والسحر اللغوي الذي تحدثنا عنه. بهذا تستطيع الطاقات اللغوية - التي تكمن بعيدا عن وظيفة التفاهم والتواصل اليومية للغة، أو تحتها وفوقها إن شئت - أن تجرب وتجرب، وتوفق إلى النغم المؤثر المتجرد من المعنى الذي يحيل بيت الشعر إلى «تعويذة سحرية» ويضفي عليه قوتها وتأثيرها.

وقد تكلم مالارميه كثيرا عن الصلة الوثيقة بين الموسيقى والشعر، واتخذت بعض عباراته بمثابة تعريف للشعر الخالص، أو ساعدت على الوصول إليه. فالناقد الفرنسي برن-جوفروي

A. Berne-Joffroy

يقول مثلا في سنة 1944م: «الشعر الخالص هو اللحظة العليا التي ينسى فيها البيت - بطريقة منسجمة متجانسة - مضموناته. إنه الشعر الذي لم يعد يريد أن يقول شيئا، وإنما يريد أن يغني فحسب.» ومع ذلك فلا ينبغي أن نفهم من كلام مالارميه عن الموسيقى ما يفهم منها عادة من حلاوة النغم أو عذوبة الأصوات؛ فالواقع أنه يقصد بها نوعا من الرفيف أو الذبذبة التي لا تقتصر على الأصوات وحدها بل تمتد كذلك إلى المضمونات العقلية للشعر وتوتراته المجردة، وكلها تتجه إلى الأذن الداخلية - إن صح هذا التعبير - أكثر مما تتجه إلى الأذن الخارجية. يبقى أن نقول إن فكرة مالارميه عن الشعر الخالص تتلاءم تماما مع الأسس العامة التي يقوم عليها. إنها - بمعناها السالب أو النافي الذي فهمنا منه النقاء من كل العناصر الشائبة - هي المعادل النظري لفكرة العدم التي يدور حولها شعره.

ونستطيع أن نقول إن هذا الشعر الخالص لا يصدق على شعر مالارميه وحده، بل يتعداه إلى كل شعر - قديم أو حديث - لا يقصد إلى إثارة الإحساس أو التعبير عن أفكار ومضمونات، بقدر ما يريد أن يكون «لعبا» تمارسه اللغة والخيال. (16) الخيال المتسلط، التجريد والنظرة المطلقة

ناپیژندل شوی مخ