د د نوي شعر انقلاب له بودلیر نه تر اوسني عصر پورې (لومړۍ برخه): زده کړه
ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة
ژانرونه
لقد عرفنا من قبل كيف كان ديدرو ونوفاليس وبودلير يطالبون بالشعر الغامض. ولكن هذا الشعر الغامض يعد شيئا متواضعا إذا قيس بالغموض الذي وصل إليه شعر مالارميه. صحيح أنهم قد مهدوا الطريق، وأن رامبو سار عليه خطوات. ولكن مالارميه قد وصل فيه إلى الحد الذي لم يستطع معه شعراء القرن العشرين أن يسايروه فيه أو لم يريدوا ذلك ولم يحاولوه.
مثل هذا الشعر المعقد لا بد أن يثير الدعابة. ولقد أثارها في نفس مؤلفه الذي راح في «قصائد المناسبات» (ص81 وما بعدها) يتفكه على أصدقائه من الكتاب والشعراء والناشرين والموسيقيين. يروى من نوادره أن صحفيا استعجله في تسليم إحدى مخطوطات قصائده؛ فما كان منه إلا أن قال له: «انتظر حتى أضع فيها قليلا من الغموض.» وسأله أحد زواره مرة عن معنى إحدى «سوناتاته» وهل تدل على الشفق أو الفجر أو المطلق، فأجابه بقوله: «لا، بل تدل على التسريحة.» (الكومودينو). هذه القدرة على السخرية من النفس لا تتأتى إلا لذوي العقول والقلوب الكبيرة، وهي تكشف بغير شك عن مكمن القوة في مثل هذا الشعر الغامض، تكشف عن حريته في اللعب وبعده عن غرور «الخالدين» وعلمه بأنه شيء مؤقت.
ولكن هذا لا يقلل بالطبع من عزلته وانفراده. (11) شعر يوحي ولا يفهم
ليست اللغة في مثل هذا الشعر أداة للتفاهم والإفادة والتوصيل، لأن هذا يفترض وجود أساس مشترك بين القائل والسامع، أو بين الكاتب والقاري. إن لغة مالارميه تعبر عن نفسها فحسب، ولذلك لم تضع القارئ في حسابها، أو لم تضع على أحسن الفروض في اعتبارها سوى عدد قليل من صفوة القراء.
وقد أشرنا من قبل إلى الدور الذي يلعبه العبث أو المحال
19
في الشعر الحديث. ومفارقة هذا العبث أو المحال موجودة عند مالارميه فيما يمكن أن نعبر عنه بقولنا إنه يتكلم لكي لا يفهمه أحد، ويقل جانب العبثية أو الاستحالة في هذه الحقيقة - وإن لم يقل جانب الشذوذ والغرابة - إذا استطعنا أن نتخلى عن المفهوم الشائع لفكرة «الفهم» واستبدلناه بالإيحاء. فالواقع أن شعر مالارميه يؤثر بتعدد معانيه وإشعاعاته وعذوبة أنغامه غير المألوفة تأثير السحر على سمع القارئ، قبل عقله. إن الشاعر يفكر على حد قوله في قارئ «متفتح لألوان عديدة من الفهم» (ص283).
إن القصيدة تغري القارئ أن يفهمها بطريقته. ليس هذا فحسب، بل إنها تستثيره ليكمل فعل الخلق الذي لم تتمه أو تركته ناقصا عن عمد، إما لأنها تكره النهاية المستقرة الهادئة، أو لأن هذا ينافي طبيعة الشاعر والقارئ معا.
هذه القصيدة التي تنطوي على طاقات وإمكانات لا نهاية لها لا يمكن أن يستجيب لها إلا القارئ الذي حركت طاقاته وإمكاناته في تفسير المعاني والدلالات المختلفة، وليس على هذا القارئ أن يفك رموز القصيدة وأسرارها، بل عليه أن يعايش الرمز والسر نفسه بحيث يحاول أن يكتنه معاني مختلفة ويستكشف دلالات قد لا تكون خطرت على بال الشاعر نفسه.
وسيأتي تلميذ مالارميه العظيم بول فاليري فيعبر عن هذا تعبيرا أكمل وأجمل حيث يقول: «إن معنى أبياتي هو ذلك الذي يعطيه لها القارئ.» وهو نفس المعنى الذي سيعبر عنه شاعر معاصر - سيأتي الكلام عنه في الفصل القادم - بقوله إن للقصيدة الواحدة من المعاني بقدر ما لها من القراء.
ناپیژندل شوی مخ