وحل صمت مؤقت فارتفعت قرقرة الجوزة، وترامى من الخارج نقيق ضفدع وصراخ صرار الليل. ومن خلال الدخان المنتشر استكنت يد ليلى في يد خالد. أصدقاء العمر، والعزاء. وأنف أحمد نصر الطويل الأقنى لا يضاهيه في شكله سوى أنف علي السيد، وإن نهض الأخير في وجه أعرض وأميل للبياض. وتكلم الظلام خارج الشرفة فقال: لا تكترث لشيء. انحدر صوته مع شعاع نجم كابي الاحمرار قطع المسافة إلى غرزتنا في مائة مليون سنة ضوئية. وقال أيضا لا تجعل من الحياة عبئا. أجل حتى المدير العام نفسه سيختفي ذات يوم كما اختفى الحبر من قلمك. ولم يعد للقلب من هم يحمله مذ دفن في التراب أعز ما كان يملكه. وإذا أردت حقا ارتكاب حماقة للفت الأنظار إليك؛ فتجرد من ثيابك وتبختر في ميدان الأوبرا، وهناك ستجد إبراهيم باشا فوق جواده وهو يشير إلى فندق الكونتننتال، كأطرف دعاية للسياحة في بلادنا. - هل حقا سنموت يوما ما؟ - انتظر حتى تذاع نشرة الأخبار. - أنيس بك يتفلسف. - والحق أنه جاء بسؤال لم يسأله أحد من قبل!
تساءلت ليلى زيدان: ما آخر نكتة؟
فأجاب مصطفى راشد: لم يعد هناك من نكات مذ أصبحت حياتنا نكتة سمجة.
ورنا إلى الظلمة خارج الشرفة فرأى حوتا هائلا يقترب في هدوء من العوامة. إنه ليس بأغرب ما رأى في النيل عند جثوم الليل، لكنه فغر فاه هذه المرة كأنما يعتزم التهام العوامة. وتواصل الحديث بين المساطيل بلامبالاة، فقرر أن ينتظر ما يحدث بلامبالاة، وإذا بالحوت يتوقف عن التقدم ، وإذا به يغمز بعينه وهو يقول: «أنا الحوت الذي نجى يونس.» ثم تراجع واختفى. وعند ذاك ضحك أنيس. وسألته ليلى زيدان عما يضحكه، فأجاب: خيالات غريبة. - وما لنا نحن لا نرى شيئا؟
فأجاب وهو لا يكف عن العمل: ذلك أن الأمر كما قال الشيخ الكبير: «إن المتلفت لا يصل.»
وانهالت التعليقات بلا ضابط: لا شيخ لنا يا دجال. - ولا يوجد متر مربع من الأرض بمنجاة من الزلزال. - وهو لا يخلو كذلك من الرقص والغناء. - إذا أردت أن تضحك من القلب حقا فانظر إلى الأرض من فوق. - يا بخت الذين مستقرهم فوق! - ولكن بصدور اللائحة المالية الجديدة سيهدأ كل بال. - هل تطبق اللائحة على الحيوان أيضا؟ - روعي فيها أن تطب على الحيوان أولا ... - وها هو القمر ينتظر المهاجرين. - وأخشى ما أخشاه أن يضيق الله بنا. - كما ضاق كل شيء بكل شيء. - وكما يضيق رجب بعشيقاته. - وكما يضيق الضيق بالضيق. - والحل، ألا يوجد حل؟ - بلى، علينا أن نتماسك حتى نغير وجه الأرض. - أو نبقى فيما نحن فيه وهو خير وأبقى.
واهتزت العوامة بقدم آتية فتوقعوا ظهور رجب، ولكن دخلت امرأة مرحة الحيوية لا يعيب جسمها الممتلئ إلا أن نصفه الأعلى أضخم قليلا من الأسفل. سنية كامل! قلبت بينهم عينين رماديتين، وتبادلت معهم القبلات. وأجلسها علي السيد إلى جانبه وهو يقول: لم نرك من رمضان الماضي!
وقبل يدها مرتين، ثم تساءل: زيارة عابرة؟
فقالت بنبرة حنون تنطق الراء غينا: زيارة دائمة. - هذا يعني أن زوجك قد هجرك!
فقالت وهي تتناول الجوزة: أو أنني هجرته.
ناپیژندل شوی مخ