منها أن ذلك كان مكافأة له على صنيع سبق، وذلك لأن العباس لما أخذ أسيرا يوم بدر لم يجدوا له قميصا، وكان رجلا طوالا فكساه عبد الله قميصه فقال له المشركون يوم الحديبية: إنا لا نأذن لمحمد ولكن نأذن لك، وقال: لا، إن لي في رسول الله أسوة حسنة، فشكر رسول الله له ذلك.
ومنها: إجابة له إلى مسألته، فقد كان لا يرد سائلا، وكان يتوفر عن دواعي الخير والمروءة، ويأمر بعادات الكرام.
ومنها: أن ذلك إكراما لابنه الرجل الصالح، فقد روي أنه قال له: أسألك أن تكفنه في بعض قمصانك وأن تقوم على قبره، لا تشمت به الأعداء، وعلما بان تكفينه لا ينفعه مع كفره.
ومنها: أن إلباسه له لطف لغيره، وقد روي أنه قيل له: لم وجهت إليه بقميصك وهو كافر، فقال: ((إن قميصي لن يغني عنه شيئا من الله، وإني آمل من الله أن يدخل في الإسلام كثير بهذا السبب)).
فيروى أنه أسلم ألف من الخزرج لما رأوه طلب الاستشفاع [ الاستشفاء ] بثوب رسول الله ، ولأن في ترحمه استغفاره دعاء إلى التراحم والتعاطف؛ لأنهم إذا رأوه يترحم على من يظهر الإيمان دعا ذلك المسلم إلى أن يتعطف على من واطى قبله لسانه، ورآه حتما عليه.
فإن قيل: كيف استجاز الصلاة عليه؟
قال الحاكم والزمخشري: لم يتقدم نهي عن الصلاة عليهم، وكانوا يجرون مجرى المسلمين لظاهر إيمانهم.
قال الحاكم: وهذا أمر شرعي، ويجوز أن يختلف فيه الأمر، وصحح هذا، وقيل: لم يعلم نفاقه. وقيل: جوز أنه تاب.
وثمرة هذه الآية الكريمة أحكام م:
الأول: انه لا تجوز الصلاة على الكافر، وذلك إجماع، وأنه لا يجوز القيام على قبره إكراما له؛ لأنه المراد بقوله: {ولا تقم على قبره}.
وقيل: أراد لا تولي دفنه.
مخ ۳۴