156

Taysir Ilm Usul al-Fiqh

تيسير علم أصول الفقه

خپرندوی

مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ م

د خپرونکي ځای

بيروت - لبنان

ژانرونه

فالواقعُ يُحيلُ وقوع ذلكَ، وتاريخُ هذه الأمَّةِ معلومٌ، فإنَّها بعدَ رسول الله ﷺ والصَّدرِ الأوَّلِ قدْ تفرَّقتْ حتَّى بلغتْ حدَّ استحالَةِ جمعهَا على ما اختلفتْ فيهِ من الكتابِ وهو نصٌّ قطعيٌّ، فكيفَ يُتصوَّرُ إمكانُ جمعها على أمرٍ لا نصَّ فيه ليكونَ حكمًا شرعيًّا للأمَّةِ؟
قال الإمامُ أحمدُ بنُ حنبلٍ ﵀: «ما يدَّعي الرَّجلُ فيه الإجماعَ هذا الكذِبُ، منِ ادَّعَى الإجماعَ فهو كذبٌ، لعلَّ النَّاسَ قدِ اختلفُوا» [أخرجهُ عنه ابنُهُ عبدُالله في «مسائله» رقم: ١٨٢٦] .
وأطال الأصوليُّونَ في تقريرِ تعريفِهم هذا واجتَهَدُوا فيه غايةَ الاجتهادِ بكلامٍ كثيرٍ يُغني في العلمِ شيئًا، واستدلُّوا له بأدلَّةٍ لا ينهضُ منها شيءٌ ليكونَ له صلةٌ بما من أجلهِ أوردُهُ.
ولو سألتَ: أينَ هي الأحكامُ الشَّرعيَّةُ الَّتي لم تُستفَدْ إلاَّ بطريقِ الإجماعِ على هذا التَّعريفِ، لم تَجِدْ جوابًا بذِكرِ مسألةٍ واحدَةٍ، فعجبًا أن يُدَّعى بأنَّ ذلك من أدلَّةِ شريعةِ الإسلامِ المعتبَرَة ولايُمكنُ أن يوجدَ له مثالٌ واحدٌ صحيحٌ في الواقعِ على مدَى تاريخِ الإسلامِ الطَّويلِ!
ولكنْ ليس يعني هذا إبطالَ وجودِ مسمَّى (الإجماع)، فالمسمَّى صحيحٌ، والإجماعُ دليلٌ مع الكتابِ والسُّنَّةِ يُقاسُ بِه الهُدَى والضَّلالُ، لكنَّهُ ليسَ دليلًا مستقلًاّ للأحكامِ، إنَّما هو دليلٌ تبعيٌّ للكتابِ والسُّنَّةِ، وبعبارةٍ أخرَى:

1 / 161