ثم قال منكرًا عليهم فيما ابتدعوه، وأحدثوه من الكذب والافتراء والكفر من عبادة الأصنام، وتسميتها آلهة: ﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ﴾، أي: من تلقاء أنفسكم. ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾، أي: من حجة. ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنّ﴾، أي: ليس لهم
مستند إلا حسن ظنهم بآبائهم الذين سلكوا هذا المسلك الباطل قبلهم، وإلا حظ أنفسهم في رياستهم، وتعظيم آبائهم الأقدمين! .
وقوله: ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾ ١.
ش: قال ابن كثير: ولقد أرسل الله إليهم الرسل بالحق المنير، والحجة القاطعة، ومع هذا ما اتبعوا ما جاؤوهم به ولا انقادوا له.
قلت: في هذه الآيات من الدلائل القطعية على بطلان عبادة هذه الطواغيت، وأشباهها بما لا مزيد عليه، فسبحان من جعل كلامه شفاء وهدى ورحمة، وبشرى للمسلمين.
منها: أنها أسماء مؤنثة دالة على اللين والرخاوة، وما كان كذلك فليس بإله، ومنها: أنكم قاسمتم الله بزعمكم فجعلتم له هذه الأسماء المؤنثة شركاء ودعوتم له الأولاد، ثم جعلتموهم بنات واختصصتم بالذكور، فجعلتم له المكروه الناقص، ولكم المحبوب الكامل: ﴿لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ ٢.
ومنها: أنها أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم، ابتدعتموها.
ومنها: أنها ما أنزل الله بها من سلطان، أي: حجة وبرهان، ومنها أنكم لم تستندوا في تسميتها إلى علم ويقين، وإنما استندتم في ذلك إلى الظن والهوى اللذين هما أصلا الهلاك دنيا وأخرى.
ومنها: ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾، أي: بإبطال عبادتها، وما كان كذلك، فهو عين المحال البين البطلان، وكل واحد من هذه الأدلة كاف شاف في بطلان عبادتها.