هي أول امرأة في العالم الإسلامي تجاسرت على تولي الملك باسم «الملكة عصمة الدين». «شجرة الدر» من أصل تركي، وقد كانت فاتنة الجمال، موفورة الذكاء.
وليت الملك أولا مع زوجها سابع الملوك الأيوبيين، ولما مات «الملك الصالح» في أيام محاصرة «سان لوي» لدمياط، أظهرت مهارة سياسية فائقة، وانتهى أمرها بمساعدة صاحب الجيش إلى الظفر بالملك بعد صهرها «توران شاه»، الذي قتله مماليكه تبرما بسوء سيرته.
اختيرت بالإجماع ملكة لمصر، وبويعت باسم «الملكة عصمة الدين» في قصرها بجزيرة الروضة على شاطئ النيل، ومنذ ذلك العهد أصبحت حياتها تفيض بالعظائم، وصدرت في تدبير الملك عن حزم.
كانت رحيمة، محسنة إلى الفقراء، مسعفة للبائسين، وكانت تعرف كيف توفق بين جميع الأحزاب، ممتازة بلطف حيلتها، وكفايتها في إدارة الشئون، كانت تدبر الملك وتحيا حياتها.
ولقد كانت لا تزال وافرة الحسن على أنها بنت أربعين، وأصبح قصر الروضة - وهو أوفق هالة بجمالها - مركزا تتجاذب إليه الكواكب المتألقة. وبعد زمن، رأت من الحزم أن تسكن القلعة دارة آبائها، التي بناها أول الأيوبيين «صلاح الدين» الشهير، وهناك من وراء الحجاب الرقيق الذي يسجي عرشها، كانت تحضر مجلس وزرائها.
و«شجرة الدر» هي التي أبدعت حفلة المحمل المصري الذي يرسل إلى مكة كل عام، وهي أول امرأة في الإسلام دعي لها في خطبة الجمعة، وهي أول ملكة في العهد الإسلامي للبلاد المصرية ضربت باسمها نقودا، بل هي في ذلك فذة لا ثانية لها.
كان يحبها السادة من رعيتها والفرسان، بل كان يحبها كل شعبها. كانت مصر تجل مليكتها، ولكن هل يمكن في الشرق أن يدوم إجلال لامرأة وإن كانت ربة تاج؟ لا جرم، قد تألب على «شجرة الدر» مجاوروها من أمراء المسلمين، يقودهم أمير دمشق، وعندئذ وجدت نفسها مضطرة إلى الزواج بوزير الحرب الذي كان أكبر أهل مصر نفوذا؛ لتدفع العوادي عن عرشها، على أنها ظلت تسوس البلاد من طريق خفي.
إن سرد حياة «شجرة الدر» منذ ذلك الوقت ليكون تعرضا لعهد كله من عهود التاريخ المصري، وما أنا بصدد ذلك، إن أريد إلا استحضار صورة امرأة كانت من ذوات العروش.
قتل «شجرة الدر» خصومها السياسيون، وألقوا جسدها وراء القلعة، فعرفها أولياؤها بجلبابها الفاخر المحلى باللآلئ، وكان مشوها وجهها الجميل. أسرعوا بدفنها في جنح الظلام، في مسجد صغير كانت قد بنته لنفسها، وثوت هنالك في قبر حقير، ملكة مصر ذات العز والإجلال.
ثم قلت في نفسي: قد كان لكل من «هاتاسو» و«عصمة الدين» سجايا رجال الدولة، ودبرتا شئون الملك بكفاية باهرة، ولكن عملهما لم يلق من الاهتمام ما كان يلقاه لو صدر من ملوك رجال أقل منهما صلاحا.
ناپیژندل شوی مخ