كل شيء هادئ لطيف لا يبدي حراكا، وإنه لكذلك منذ أحقاب وأحقاب.
تمثلت عند أدنى المعبد - في جوف الوادي - حراس النواحي من السودان معتمدين على مطاياهم، كأنما يناجي بعضهم بعضا سرارا، بينما يهبط حراس المدينة العتيقة خفافا واحدا فواحدا، خلال عمد الإيوان الأقدس البيضاء المهشمة.
بين الإنسجام والصمت وهدأة الإشراق، لم يكن إلا صوت قسيس عظيم من نسل بعض كهنة «آمون» العظماء، يصل إلى الآذان حينا بعد حين.
في الهيكل المعد للضحايا على روح «هاتاسو»، كان القسيس يفسر جاهدا طائفة من آيات الغيب، حيث يستمع إليه نفر من المريدين، وهو يقول بين يدي صورة الملكة:
فوق كاهلك مذ الآن كل نفحة من حياة، وكل نفثة سحر، وكل مدد بقاء، أنت مثل «را» أبدية الحياة.
وكان محيا الملكة العظيمة الهادئ الصافي يتهلل بابتسامة، هي لغز من الألغاز، كأنما هي تتحدى غابر الدهر، كما تحدت كل ما في الماضي من اضطهاد وعصور إهمال.
أليست من جوهر الآلهة ابنة «آمون» الفاتنة؟! أوليست تسر في أعماق عينيها الدعجاوين لمحات السر المكنون عن أهل هذا العالم الصائرين للزوال؟! لا تزال من الأحياء بنت «توتمس الأول» و«أهمسي»، وستظل على وجه الدهر ذات وجود وحياة، برغم ما حمل لها من الداء الدوي من ولي الأمر بعدها، ذلك الذي محى سماتها، وهشم نقوشها، ليبيد كل أثر يحيي تذكارها.
سيبقى لسان صدق في العالمين لمليكة الوادي المجيد، التي هي أول امرأة من سلالة الأرباب، أقدمت على تولي مقاليد الحكم مع لقب الملوك.
لا تزال «هاتاسو» تفيض حياة وتتيه بعزة الظفر، على ما أصاب معبدها الفخم من البلى، وعلى ما ضاع من أوراق البردي القيمة، وبرغم انتصار «توتمس الثالث»، الذي لم يستطع عهده الزاهر أن يغض من عهدها.
تجلت للمريدين أسرار التاريخ في تلك الليلة؛ ذلك بأن تيارات الحياة المتدافعة كانت تبعث الماضي كله منتعشا فوق الجدران المزركشة.
ناپیژندل شوی مخ