السّنة، ونصرته لَهَا من الاستطرادات العلمية واللغوية والشعرية والفقهية والفلسفية، والاستشهاد بِالْآيَاتِ القرآنية وَتَفْسِير بَعْضهَا، وَالِاسْتِدْلَال بِبَعْض مَا ورد فِي الْكتب السماوية الْأُخْرَى والأحداث التاريخية والطرف والنوادر والحكايات؛ مِمَّا يمتع وينفع، وَيدل على سَعَة معرفَة الْمُؤلف ﵀ وإحاطته بعلوم ومعارف عصره. يَسُوق ذَلِك كُله ليزيل الالتباس الْحَاصِل فِي فهم الحَدِيث، أَو إِزَالَة شُبْهَة التَّعَارُض والتناقض.
وَإِذا كَانَ لأحد أَن يسْتَدرك على الْمُؤلف شَيْئا فَهُوَ دفاعه عَن بعض الْأَحَادِيث الضعيفة أَو الْمَوْضُوعَة وَالَّتِي كَانَ يُغْنِيه فِيهَا أَن يذكر ضعفها وَعدم ضَرُورَة الِاحْتِجَاج بهَا.
بِالْإِضَافَة إِلَى أَنه كَانَ يعتمده فِي موطن الِاسْتِدْلَال على صِحَة مَا ورد فِي الحَدِيث من معنى بِمَا ورد فِي الْكتب السماوية الْأُخْرَى، وَلَا يخفى أَن هَذِه الْكتب لَا يحْتَج بهَا لما نعتقده فِيهَا من تَحْرِيف، فَكيف يُمكن أَن تقبل دَلِيلا على الصَّوَاب؟!..
ثمَّ انتقاصه لبَعض الْأَعْلَام بِسَبَب مخالفتهم بِالِاجْتِهَادِ، ومبالغته فِي ذَلِك إِلَى حد التشكيك بصدقهم وتقواهم وَدينهمْ، وَذَلِكَ مِمَّن تَوَاتر الثَّنَاء عَلَيْهِم غفر الله لَهُ.
لَكِن الْكتاب بمجمله يعْتَبر من أفضل مَا كتب فِي بَابه، وَيدل على علو كَعْب الْمُؤلف ﵀ وأجزل ثَوَابه- بَين عُلَمَاء عصره فِي عدد من الْعُلُوم والمعارف، وَلَإِنْ وجدت فِيهِ هَنَات مَعْدُودَة -رُبمَا دَفعه إِلَيْهَا حماسه لما يرَاهُ حقًّا، وغيرته على حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَإِن الْكَمَال لله وَحده، وكل إِنْسَان يُؤْخَذ مِنْهُ وَيرد إِلَّا صَاحب هَذَا الْقَبْر؛ كَمَا قَالَ الإِمَام مَالك ﵀، فَلَا يجوزك انتقاصه حَقه وَقد قدم الْكثير الْجيد الَّذِي يعْتَبر بِحَق زِيَادَة فِي بَابه وَعَملا أصيلًا غزيرًا تقبل الله مِنْهُ وَمنا وَغفر لَهُ وَلنَا وَأَعْلَى مقَامه وَجَعَلنَا وإياه فِي زمرة أحبابه وأوليائه وخاصته من خلقه. اللَّهُمَّ آمين.
الدوحة فِي ٨/ ٨/ ١٤٠٨ هـ
٢٦/ ٣/ ١٩٨٨م
مُحَمَّد محيي الدَّين الْأَصْفَر
1 / 21