الْبَيْت والفتاوى الَّتِي صدرت عَنْهُم، وَبِهَذَا كَانَ لَهُم أَيْضا فقه خَاص.
وَأما جُمْهُور الْمُسلمين فَكَانُوا يحتجون بِكُل حَدِيث توافرت لراويه الشُّرُوط الْمَطْلُوبَة بِلَا تَفْرِيق بَين صَحَابِيّ وَآخر، وَيَأْخُذُونَ بفتاوى الصَّحَابَة وآرائهم جَمِيعًا، وعَلى الرغم من اتِّفَاق جُمْهُور عُلَمَاء الْمُسلمين على هَذِه الخطة الموضوعية فِي قبُول الحَدِيث -بِاعْتِبَار الصَّحَابَة جَمِيعًا عُدُولًا موثوقين- دون النّظر إِلَى مواقفهم السياسية من قَضِيَّة الْفِتْنَة الْكُبْرَى.
لكِنهمْ بِالْإِضَافَة إِلَى ذَلِك اخْتلفُوا فِي الخطة التشريعية الَّتِي تبناها كل مِنْهُم، وَقد نَشأ ذَلِك بِنَاء على اخْتلَافهمْ فِي تَقْدِير بعض مصَادر التشريع، وَقد تجلى ذَلِك على وَجه الْإِجْمَال فِيمَا يَأْتِي:
أَسبَاب الِاخْتِلَاف بَين الْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين:
١- أولًَا: من حَيْثُ دَرَجَة ثُبُوت الحَدِيث وَالْمِيزَان الَّذِي ترجح بِهِ رِوَايَة على أُخْرَى، وَذَلِكَ أَن قبُول السّنة كمصدر للْأَحْكَام مَبْنِيّ على الوثوق برواتها، وطرق رِوَايَتهَا، كَمَا اخْتلف الْأَئِمَّة فِي مقاييس الْقبُول: فمجتهدو الْعرَاق: أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه يحتجون بِالْحَدِيثِ الْمُتَوَاتر وَالْمَشْهُور، وَمَا يُقَاس عَلَيْهِمَا من رَأْي اجتهادي يقدمونه على حَدِيث خبر الْآحَاد حَال مُخَالفَته، قَالَ أَبُو يُوسُف ﵀: "وَعَلَيْك بِمَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَة من الحَدِيث، وَمَا يعرفهُ الْفُقَهَاء".
ومجتهدو الْمَدِينَة: مَالك وَأَصْحَابه يرجحون إِجْمَاع أهل الْمَدِينَة ويقدمونه فِي الِاسْتِدْلَال على خبر الْآحَاد.
وَأما بَاقِي الْأَئِمَّة: فيحتجون بِمَا رَوَاهُ الْعُدُول الثِّقَات سَوَاء وَافق عمل أهل الْمَدِينَة أَو خَالفه. وترتب على هَذَا أَن مجتهدي أهل الْعرَاق جعلُوا الْمَشْهُور فِي حكم الْمُتَوَاتر، وخصصوا بِهِ الْعَام فِي الْقُرْآن الْكَرِيم، وقيدوا بِهِ الْمُطلق، وترتب أَيْضا أَن مَرَاسِيل الصَّحَابَة من الحَدِيث وَهِي الَّتِي رَوَاهَا صَحَابِيّ بقوله: أَمر رَسُول الله بِكَذَا أَو نهى عَن كَذَا أَو قضى بِكَذَا -من غير أَن يُصَرح بِأَنَّهُ سمع ذَلِك بِنَفسِهِ أَو شافهه أَو شَاهده- يحْتَج بهَا بعض
1 / 14