258

افعله أنت، وقد بينا فى الموضع الذي ذكرناه فيما تقدم تأويل ذلك ما ذكرنا الآن جملته وشرحناه شرحا كافيا وإن كنا قد اختصرناه وأفردناه فى تأويل الصلوات على النبي صلى الله عليه وسلم وآله كتابا جامعا للقول فى ذلك وقد قرئ على بعضكم وسمع ما فيه وجملة القول فى ذلك باختصار ما أثبتناه فى هذا الموضع.

ويتلو ذلك قول أبى جعفر محمد بن على صلى الله عليه وسلم: ليلة الجمعة غراء ويومها أزهر وما من مؤمن مات ليلة الجمعة إلا كتب له براءة من عذاب القبر وإن مات يوم الجمعة عتق من النار، ولا بأس بالصلاة يوم الجمعة كله لأن النار لا تستعر فيه.

وعنه وعن أبى عبد الله أنهما قالا: إذا كانت ليلة الجمعة أمر الله ملكا ينادى من أول الليل إلى آخره هل من سائل فأعطيه، هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، يا طالب الخير أقبل ويا طالب الشر أقصر، فيوم الجمعة وليلتها فى الظاهر لهما فضل على سائر الأيام والليالى ويجرى من هذا القول فى ظاهرهما ما يجرى فى باطنهما وتأويل باطنهما أن يوم الجمعة كما ذكرنا مثل محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصلاة فيه مثل لدعوته، وذلك لأن الله قد جمع له فضل من تقدم من الأنبياء وعلمهم وزاده من الفضل والعلم ما خصه به فبذلك سميت الجمعة، ومثل ليلة الجمعة مثل وصيه على عليه الصلاة والسلام ومثل الصلاة فيها مثل لدعوته كما ذكرنا أن النهار مثله مثل الناطق ودعوته والليل مثل الحجة ودعوته، فقوله ليلة الجمعة غراء، الغرة فى لغة العرب بياض يكون فى وجه الفرس إذا زاد على قدر الدرهم، وما كان مثل الدرهم فما دونه فهو قرحة، والغرة فى الخيل عندهم محمودة ويستحبونها والأغر فى لغتهم أيضا الأبيض، ويقولون فلان غرة قومه إذا كان أفضلهم وأشرفهم، ورجل أغر وامرأة غراء إذا كانا كذلك، وكذلك يقولون هذه غرة المتاع وغرة الشيء لأفضله، وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أنا خير النبيين وعلى خير الوصيين، فذلك تأويله قوله ليلة الجمعة غراء يعنى مثلها فى الباطن وهى فى الظاهر أيضا أفضل الليالى وتأويله قوله ويومها أزهر يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم والأزهر فى اللغة المنير، والزهور تلألؤ القمر والسراج وما له نور، وزهرة الدنيا حسنها وبهجتها، والزهور يوصف به كل شيء أبيض له نور كالدرة الزهراء فوصف بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فضله الله وأبانه به

مخ ۳۰۴