183

الجلوس فى المساجد الظاهرة للصلاة فيها وانتظارها وطلب العلم ولزوم المؤمن أيضا بيته إذا لم يكن له ما يتصرف فيه من وجوه التصرف فى الحلال دون السعى والتصرف فى الحرام أو فيما لا يعينه وما لا يعود بخير عليه، وباطن ذلك لزوم المؤمن مجلس داعيه ليأخذ عنه ويفيد منه وهو أيضا فى الباطن بيته.

ويتلو ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: جنبوا مساجدكم رفع أصواتكم وبيعكم وشراءكم وسلاحكم وجمروها فى كل سبعة أيام وضعوا فيها المطاهر، فهذا أمر ينبغى استعماله فى المساجد الظاهرة لفضلها، وتأويله فى الباطن ألا يرفع المستجيب قوله على قول داعيه فيرى أو يذكر أنه أعلم أو أبلغ منه أو أن يستطيل أو يشمخ أو يرفع نفسه عليه فى حال من الأحوال فذلك كله فى التأويل من رفع الصوت، والعرب تقول لفلان صوت أرفع صوتا من فلان وفلان بعيد الصوت يعنون ذلك علو المنزلة والذكر فى الناس ومن ذلك قول الله:@QUR023 «يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون» [1] وقد يكون أيضا ذلك من رفع الصوت نفسه عند احتجاج أو مناظرة فلا ينبغى للمرء أن يرفع صوته فى ذلك على صوت من هو أرفع منزلة وقدرا منه فيكون ذلك من الاستطالة عليه، فأما رفع الصوت عند المخاطبة البيان لمن يسمعه والبيان عنه فليس ذلك مما يكره بل فى ذلك ما يخفف عن السامع مئونة الاستفهام إذا لم يكن المتكلم أبان له الكلام فالمراد بالجملة خفض الصوت دون رفعه على ما بيناه لمن يسمع ذلك ممن هو أعلى منزلة من المتكلم من الواجب فيما بيناه وأما قوله وبيعكم وشراءكم فذلك منهى عنه أن يكون فى ظاهر المساجد أن يباع فيها ويشترى فتقام مقام الأسواق لأنها إنما بنيت للصلاة وذكر الله فيها وكذلك مجالس دعوة الحق لا ينبغى أن يستعمل ذلك فيها ظاهرا ولا باطنا وباطن البيع والشرى هاهنا تفاوض المستجيبين فيما بينهم من العلم والحكمة وإفادة بعضهم من بعض كما يفيد المتبايعان فى الظاهر ما يتبايعانه فنهى عن ذلك لأن المستجيبين إنما عليهم إذا حضروا مجالس دعوة الحق أن يستمعوا ما يفيدهم أهلها فيها وأن ينصتوا لذلك ويحسنوا استماعه كما قال تعالى:@QUR07 وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم

مخ ۲۲۹