وإني وإن لم أصل إلى كنه الحقيقة الإلهية.. ولكن ألست أنا الطريق إلى الله، والمفزع في معرفة صفاته جل شأنه، والمميز لما يجوز عليه وما لا يجوز؟!
أوليس بدلالتي عرفت النبوات والأنبياء وصدقهم، وما يجوز عليهم وما لا يجوز؟!
أفأحجب حتى عن معرفتي بأن واجب الوجود لا يتصف بصفات النقص والحدوث، وأن الواحد ليس ثلاثة، والثلاثة ليست واحد؟!
ألم تسمع أن السياحين يبالغون بغباوة بعض الذين في شمالي سبيريا، ويقولون، إنهم لا يتجاوزون في معرفة الأعداد عن العشرة، فهم على هذه الغباوة يميزون مراتب هذه الأعداد وحقائقها فيما بين الواحد والعشرة.
أفلا يسمح لي الناس - وإنا العقل المخلوق نورا للعالم، ورسولا باطنا إلى كافة البشر - أن أعرف من الأعداد مراتب الواحد والاثنين والثلاثة؟! فأميز أن الواحد الحقيقي لا يكون ثلاثة، أحدهم يتجسد على الأرض، والثاني ينزل من السماء بشكل حمامة جسمية، والثالث يبقى في السماء، وأن الثلاثة الذين أحدهم صلب ومات، والثاني الذي أقامه من الموت وأجلسه على يمينه، والثالث الذي انقسم على جماعة من الناس، هؤلاء لا يكونون جميعا واحدا حقيقيا.
أفآل أمر الناس إلى مثل هذه الخلاعة، وقد كان عهدي بالناس أن الأهواء لا تستحوذ عليهم إلا إذا تدلست باسمي، ولا تقدر أن تروج الضلال فيهم إلا إذا موهته باسم المعقول.
مخ ۲۹