وعن ابن مسعود ﵁ أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار " ١ رواه البخاري ".
ولمسلم عن جابر ﵁ أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " من لقي الله لا
..................................................................................................
تحقيق التوحيد، كما تقدم في الباب قبله. ثم قال تعالى محذرا عباده من الشرك ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ ٢ ومن لم تخوفه هذه الآيات وتزجره عن الشرك في العبادة إذا تدبرها فلا حيلة فيه.
قوله: "وعن ابن مسعود ﵁ أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار " رواه البخاري ".
وهذا الحديث فيه التحذير من الشرك أيضا، والتخويف منه، والند المثل والشبيه، فمن دعا ميتا أو غائبا وأقبل إليه بوجهه وقلبه رغبة إليه ورهبة منه سواء سأله أم لم يسأله، فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله. ولهذا حرم الله تعالى اتخاذ الشفعاء، وأنكره على من فعل ذلك أشد الإنكار، لكونه ينافي الإخلاص الذي هو إقبال القلب والوجه على الله في كل ما يخافه العبد ويرجوه ويتقرب به ويدين به، ومن المعلوم أنه إذا التفت للشفيع يسأله، فقد أعرض بوجهه وقلبه عن الله تعالى، وذلك ينافي الإخلاص، ويأتي بيان ذلك في باب الشفاعة إن شاء الله تعالى.
قوله: "من لقي الله لا يشرك به شيئا "، هذا هو الإخلاص كما تقدم. وقوله: "ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار ". هذا هو الشرك فمن لقي الله بالشرك دخل النار قل أو كثر. أما الشرك الأكبر فلا عمل معه ويوجب الخلود في النار، كما تقدم في معنى الآيات. وأما الأصغر كيسير الرياء، وقول الرجل ما شاء الله وشئت، وقوله: ما لي إلا الله وأنت، ونحو ذلك. فهذا لا يكفر إلا برجحان السيئات بالحسنات. قال بعض العلماء: اقتصر على نفي الشرك لاستدعائه التوحيد بالاقتضاء واستدعائه إثبات الرسالة باللزوم؛ إذ من كذب رسل الله فقد كذب الله، ومن كذب الله فهو مشرك. فالمراد من مات حال كونه مؤمنا بجميع ما يجب الإيمان به إجمالا في الإجمالي، وتفصيلا في التفصيلي اهـ.
_________
١ البخاري رقم (١٢٣٨) في الجنائز: باب من كان آخر كلامه لا إله إلا الله، ورقم (٤٤٩٧) في تفسير سورة البقرة: باب قوله تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله)، ورقم (٦٦٨٣) في الأيمان والنذور: باب إذا قال: والله لا أتكلم اليوم فصلى أو قرأ أو سبح أو كبر أو حمد أو هلل فهو على نيته، وأحمد في "المسند" ١/٤٦٢ و٤٦٤.
٢ سورة الحج آية: ٣١.
1 / 34