الجنة وما أعد فيها من النعيم المقيم، وذكر أنها دار المتقين، وذكر النار وما فيها من العذاب وأنه أعدها لمن كفر به وأشرك.
قوله: "أدخله الله الجنة على ما كان من العمل" جواب من الشرطية أي من شهد أن لا إله إلا الله إلى آخره أدخله الله الجنة، أي بإخلاصه وصدقه والإيمان برسوله وما أرسل به، وخالف النصارى واليهود في الغلو والجفاء في حق عيسى، وعلم يقينا أنه عبد الله ورسوله، وآمن بالجنة والنار، فمن كان كذلك أدخله الله الجنة، وإن كان مقصرا وله ذنوب فهذه الحسنة العظيمة ترجح بجميع السيئات، فتدبر هذا الحديث فإنه عظيم والله أعلم.
قوله: "ولهما" أي البخاري ومسلم وهذا حديث طويل اختصره المصنف وذكر منه ما يناسب الترجمة وهو قوله: "من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله"، وهذا هو حقيقة معناها الذي دلت عليه هذه الكلمة من الإخلاص ونفي الشرك، والصدق والإخلاص متلازمان لا يوجد أحدهما بدون الآخر، فإن من لم يكن مخلصا فهو مشرك، ومن لم يكن صادقا فهو منافق، والمخلص أن يقولها مخلصا الإلهية لمن لا يستحقها غيره وهو الله تعالى، وهذا التوحيد هو أساس الإسلام الذي قال الخليل ﵇: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ﴾ ١. وقالت بلقيس: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ﴾ ٢، وقال الخليل ﵇: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ٣ والحنيف هو الذي ترك الشرك رأسا وتبرأ معه وفارق أهله وعاداهم، وأخلص أعماله الباطنة والظاهرة لله وحده، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ ٤ فإسلام الوجه هو إخلاص العبادة المنافي للشرك والنفاق وهو معنى الآية ونحوها إجماعا، فهذا هو الذي ينفعه قول: "لا إله إلا الله "، ولهذا قال تعالى: ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ ٥، وهذا بخلاف من يقولها وهو يدعو غير الله ويستغيث به من ميت أو غائب لا ينفع ولا يضر، كما ترى عليه أكثر الخلق فهؤلاء وإن قالوها، فقد تلبسوا بما يناقضها فلا تنفع قائلها إلا بالعلم بمدلولها نفيا وإثباتا، والجاهل بمعناها وإن قالها لا تنفعه لجهله بما وضعت له الوضع العربي الذي أريد منها من نفي الشرك، وكذلك إذا عرف معناها بغير تيقن له، فإذا انتفى اليقين وقع الشك.
ومما قيدت به في الحديث قوله صلي الله عليه وسلم: " غير شاك" فلا تنفع إلا من قالها بعلم ويقين لقوله صدقا من قلبه خالصا من قلبه، وكذلك من قالها غير صادق في قوله، فإنها لا تنفعه لمخالفة القلب اللسان كحال المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وكذلك حال المشرك فلا تقبل من مشرك لمنافاة الشرك للإخلاص، ولما دلت عليه هذه الكلمة
_________
١ سورة البقرة آية: ١٢٨.
٢ سورة النمل آية: ٤٤.
٣ سورة الأنعام آية: ٧٩.
٤ سورة لقمان آية: ٢٢.
٥ سورة البقرة آية: ٢٥٦.
1 / 18