سبحانه يبتلي أحبابه ابتلاء له فيه حكمة، ولو لم يكن فيه إلا رفع المقامات أو تكفير السيئات، خصوصا هذا التوحيد فإنه سبحانه من حكمته لم يبعث به نبيا قط إلا جعل له أعداء يؤذونه كما قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الأنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا} .
ولما كان العلماء ورثة الأنبياء جعل الله لمن كان منهم عاملا بعلمه مهتديا بقول الله متبعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عدوا من الإنس والجن يؤذونه ويشوشون عليه اتباعه ويردون عليه ما قال عن الله ورسوله أقواله، وهذا كله من الله عدل إذ فيه رفع درجات الأنبياء، وإظهار مقامهم صلوات الله وسلامه عليهم، وتكفير سيئات هؤلاء العلماء ورفع درجاتهم وتعظيم أجورهم رضي الله عنهم، ولذلك قال تعالى: {ولو شاء ربك ما فعلوه} ومع ذلك فلا بد من نصر ما جاءت به الرسل الذي عملت به هؤلاء العلماء ودعت إليه قال تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} وقال تعالى: {ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين} فمن صبر من هؤلاء العلماء المذكورين نصره الله كما نصر رسله، وهذا مصداق قوله تعالى: {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} .
وهكذا لم تزل السلسلة في صعود وهبوط إلى أن حل بهذا الرجل ما حل بالأسلاف الذين خلوا من قبله من صالح سلف الأمة وخيارها. لكن قد هدى الله به أمما ضلالا منهمكة في أكبر الكبائر على الإطلاق فحاز من الأجر العظيم مغنما لقوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء" أخرجه مسلم وابن ماجه والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه فلله الحمد والمنة.
مخ ۱۳