تعصب الراوي وكبره
وأشار إلي فيه ان هذا المشار إليه يدعي أنه من أجل علماء المملكة وأكبرهم قدرا عنده فلذلك خصه من بينهم فامتثالا لأمره نظرنا فيه، يعني وإلا لولا أمره لم ننظر فيه ولم نطالعه، ولم نتأمله، وهذا من أعظم التعصب وأكبر التوثب على الركون إلى الرأي العقلي بلا حجة قطعية ولا دليل نقلي، فهو من نوع التوكل على مجرد الرأي، وذلك هو الموجب لقول الزور والبهتان والوقوع في الإثم والعدوان، إذ ما من مستغن برأيه عن مشاهدة الحق وأتباعه والتأمل في أحواله إلا وفات عليه خير كثير ولم يحصل له ما خيل إليه مما يزعم أنه لديه وهذا من العلم العقلي المخالف للدليل النقلي الناشئ عن الجهل الكلي قال تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون * ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك أنه إتباع هوى وإعجاب، فروى أبو ثعلبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك" والترفع عن أخذ العلم والحق وعن سماعه وادعاء الانتهاء فيه والاستغناء عنه من أكبر العجب، وهذا ادعاء فيما لا سبيل له إليه ولا ملك له فيه وان زعم كمال الفهم فيه والإطلاع عليه إذ ما من عالم إلا وفوقه أعلم منه، قال تعالى: {وفوق كل ذي علم عليم} أي لكل ذي علم من المخلوقين أعلم منه حتى ينتهي العلم إلى الله عز وجل، ولذلك عتب الله على موسى عليه السلام حين قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل هل أحد أعلم منك؟ قال: لا، قال الله: بلى إن عبدنا خضرا هو أعلم منك، فلا زال يطلبه حتى وجده ليأخذ عنه العلم. ومن استغنى برأيه وزعم أن الباطل حق باستدلالاته التي قامت مخايل جفيلها الخالي في ذهنه وقرب سرابها النائي في ظنه فتخيل أن جميع معانيها وما فيها منسوبة عنه وإليه؛ ولم يعلم أنها حجة عليه، فقد أخطأ سبيل الرشاد وتعنت في أنواع العناد مقلدا لما سمعه من
مخ ۳۱