وَأَمَّا الْمَاءُ الرَّاكِدُ كَالْبِئْرِ وَغَيْرِهِ تَمُوتُ فِيهِ دَابَّةُ بَرٍّ ذَاتُ نَفْسٍ سَائِلَةٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَيُسْتَحَبُّ النَّزْحُ بِقَدْرِهَا بخِلافِ مَا َلْو وَقَعَ مَيِّتًا ...
الراكد هو الواقف، وقوله: (تَمُوتُ) احترازًا مما لو وقع ميتًا، فإن حكمَه مخالفٌ.
وقوله: (دَابَّةُ بَرٍّ) احترازًا من دابة البحر، فإنها إذا لم تغير لا يُستحب النزحُ.
وقوله: (ذَاتُ نَفْسٍ سَائِلَةٍ) احترازًا مما ليس له نفسٌ سائلةٌ كالعقربِ والزنبورِ، فإنهما إذا وقعا في ماء فماتا فيه فإنه- إذا لم يَتغير- لا يُستحب النزحُ، والمرادُ بالنفسِ السائلةِ الدمُ الجاري.
وقوله: (وَلَمْ يَتَغَيَّرْ) احترازًا مما لو تغير، فإنه يجب نزحُه حتى يزول تغيرُه.
وقوله: (بِقَدْرِهَا) أي: بقدر الميتة، ويتحمل بقدر البئر. وفي بعض النسخ: بقدرهما. وهو أظهرُ. ولمراعاتهما قال ابنُ الجلاب: على قدرِ كثرةِ الماء وقلته، وصِغَرِ الدابةِ وكبرِها. وعلى هذا فالصورُ أربعٌ:
تارةً يكثُر الماءُ وتصغُر الدابةُ، فيقلَّلُ مِن النَّزْحِ، وتارًة يَقِلُّ الماءُ وتكبُر الدابةُ، فيُزادُ في النزحِ، وتارة يُتَوَسَّطُ، إما لكِبَرِ الميتةِ وكثرةِ الماء، وإما لقلةِ الماء وصِغَرِ الميتةِ.
وإنما يُستحب النزحُ لأن الله تعالى أجرَى العادةَ أن الحيوانَ عند خروجِ رُوحه تنفتح مَسَامُّه، وتَسيل رُطوباتُه، ويَفتح فاه طلبًا للنجاة فيدخل الماء ويَخرج برطوباته، وذلك مما تَعافُه النَّفْسُ، فأُمِرَ بالنزح ليزول ذلك، ولهذا قال بعضُهم: إذا نَزَحَ فيُنقص مِن الدلوِ شيئًا يسيرًا؛ لأنه إذا مُلِئَ تطفو الدُّهنيةُ فيُنزلها الماءُ فلا يَكون النزحُ مُعتبرًا.
وما ذكره المصنف مِن استحبابِ النزحِ إذا لم يتغيرْ هو ظاهرُ المذهب، وحكى الباجي قولًا عن مالك بوجوب النزحِ، وهو ظاهر المدونة في مواجِلِ بُرْقَةَ، فإنه قال: لا يُشرب منها، ولا بأس أن تُسقى منه المواشي.
1 / 20