149

بل إن كثيرا من الأغنياء يشقون مع أنهم مغرقون في النعيم إلى الأذقان، وكثيرا من الفقراء يسعدون غاية السعادة مع ما هم فيه من شظف العيش، وقلة ذات اليد.

وذلك كثير مشاهد؛ فماذا يغني المال وحده؟

ثم إن المال عرضة للزوال؛ فكم من الأغنياء من أصبحوا فقراء بين عشية وضحاها، وكم من الفقراء من أصبحوا أغنياء ما بين طرفة عين وانتباهتها؛ فما بني على ما يتبدل فهو عرضة للزوال.

فلا يدري الفقير متى غناه

ولا يدري الغني متى يعيل

أضف إلى ذلك ما يلقاه الغني من الغم والهم في جمع المال، وخوف الخسارة، وكثرة الترحال، ونحو ذلك.

وسيأتي نماذج لذلك في الفصل الثالث.

ثالثا: حال أهل الوجاهة مع السعادة: إذا كانت الوجاهة داعية لسخاوة الإنسان بجاهه، بحيث يبذل الجاه في سبيل الخير من نحو الشفاعات الحسنة، من إحقاق حق، ونصرة مظلوم، وإعانة الضعيف_فتلك وجاهة نافعة جالبة للسعادة.

قال _ تعالى_: [من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها] النساء: 85.

وقال النبي": =اشفعوا تؤجروا+(419).

أما إذا كانت الوجاهة؛ للرياء والسمعة، ولأجل أن يتردد الذكر على الألسنة وفي المجالس، أو الصحف_فإنها شقاء أيما شقاء؛ فأهلها يعانون من تبعاتها، ويلاقون الأمرين من ويلاتها؛ فهذه أموال تبذل فيما لا طائل تحته، ولا فائدة من ورائه، وهذه مجاملات تأخذ نصيبها من وقت الوجيه وصحته وسعادته الحقة.

ثم ما حال الوجيه إذا زلت به القدم، ونزلت به المكانة؟

إنها الحسرة والندامة إن لم يكن ذا نفس كريمة وإيمان وصبر.

رابعا: حال أهل الرياسة مع السعادة: وإذا أتيت إلى أهل الرياسات، وذوي المناصب العالية، والرتب الرفيعة_لم تجد السعادة الحقة عندهم إلا في القليل النادر، وعند القليل منهم؛ ذلك لأنهم رؤوس، والرأس كثير الأذى، ولأن الرياسة هم في الدنيا، وحسرة وندامة في الآخرة إن لم يقم صاحبها بحقها.

مخ ۱۴۹