91

كنت ونور وأمي نذهب أيضا إلى العمل بسواقي الآخرين باليومية، حيث لا أرض لنا، نشتل البصل أو نقلعه، نجني الطماطم والبامية والشطة الخضراء، أو ننظف الحقول من الحشائش المتطفلة، وأحيانا نقوم برش الأسمدة والمبيدات، وكان العمل شاقا تحت الشمس والبطون شبه خاوية، خاصة نورا لا تزال في عمر الطفولة، فتشق الأسمدة أصابعنا وتجعلها تنزف، وقد يجرحنا منجل أو تلدغ أحدنا عقرب، هذا إلى جنب الآلام التي نحس بها في أطرافنا وعضلاتنا عندما نذهب للرقاد، وكانت أمنا ترى وتعايش وتتألم ولكن في صمت.

وقد لا نعود من الحقل إلا عند العصر، أو قبيل المغرب حاملين ما تيسر من رزق حسب الموسم، فإما لوبيا وفاصوليا وباميا أو بصل، وأحيانا لا شيء، ولكن بعض النقود نشتري بها الخبز، يأكل أبي إذا جئنا بالطعام، وتأكل نور أكثر مما نأكل أنا ونورا، ولا يسأل كيف تحصلتم على لقمة العيش هذه! فكان يعيش في عالم جامد خال من المسئولية، هادئا ومسالما طيبا، فقد يثور فينقلب وحشا أو كلبا سعرانا، هذا إذا سئل عن المصروف، أو إذا رفضت أمي فراشه، فلا يطاق ليل رفض فيه، فإذا احتجت أمي في أنه يأتي بأطفال لا يقدر على تربيتهم، قال: ربنا هو الذي خلقهم وهو قادر على إطعامهم. وإذا صرخت فيه قائلة: أنت والدهم، وأنت أبوهم، وأنت من يأتيهم بالخبز وليس الله!

قال غاضبا: أنت امرأة كافرة، ومن أجل كفرك هذا قطع الله عنا الرزق.

ويحمل عصاه ...

فتحمل عصاها ...

وقد يستيقظ الجيران وتفوح رائحة الفضيحة؛ لذا كانت أمي هي التي تتراجع، تخلع جلبابها وتستلقي قربه لاعنة إياه في السماوات والأراضي السبع، وكل كرامات شيوخ البلاد الكبيرة، وإذا غلبها الغيظ عضته في صدره أو كتفه إلى أن يصرخ من الألم، أو يشخر كالثور الذبيح، أو ...

بكت.

الجارات الطيبات

تقيأت أمي في الفجر شيئا ...

تقيأت أمي في الفجر شيئا أصفر، ورغم ذلك أخذت مقلاع البصل والسلة الكبيرة، وقالت لي ونورا: فلنذهب إلى العمل.

ناپیژندل شوی مخ