119

قالت لي نوار سعد بالرغم من أنها كانت تتحدث معي بلغة عربية مكسرة إلا أنني استطعت أن أفهمها، قالت: لا ... بل حملت معي بعض الصيني الذي قال عنه ضابط الجمارك إنه يخص الملك منليك الأول، فهو بالتالي ثروة قومية، وطلب مني التنازل عنه فرفضت، فأدخلت في هذا المكان ... - آه يبدو أنك امرأة خطرة، كيف توصلت إلى ممتلكات الملك منليك ونحن - الأثيوبيين - لا ندري عنها شيئا؟! لا بد أنك تنتمين إلى عصابة دولية. - لقد اشتريتها من مكان عادي بهرر، مكان عادي ومعروف مقام على منزل قديم، قيل إنه كان سكنا لشاعر فرنسي اسمه رامبو.

قالت نوار: ولكن لدهشتي عندما قالت لي الحبشية ذات الرداء المهترئ المتسخ المقعية في ركن من الحجرة تأكل الانقيرا بالدليخ: آرثور فرانسوا رامبو؟! هل تعنين آرثور رامبو؟! - نعم. - ماذا تقولين ...؟ إذن ... من أنت؟ هل تقرئين الشعر؟! قالت - ببساطة وبدون أن تتوقف عن الأكل إلا لشرب قليل من الماء لتطفئ به حرقان الدليخ: اسمي سابا، سابا تخلي، من هرر، لا أقرأ كثيرا من الشعر، ولكن فقط شعر آرثور رامبو. - هل لأنه كان تاجرا في هرر؟

قالت لي نوار سعد: كنت أمطرها بالأسئلة دون رحمة، كنت أود أن أكتشفها من جملة، وفي لحظة واحدة أعرف عنها كل شيء؛ لذا كانت أسئلتي مركبة ومتعبة وغير مركزة، ولقد نبهتني بعربية مكسرة ولكنة حبشية حلوة: براحة ... براحة، واحدة واحدة، دعيني آكل وسأقول لك كل شيء. وأثناء ذلك عندما كانت تأكل كنت أفكر فيها بجدية، وكنت في نفسي أقول: لا بد أنها من مثقفات وطنها، أو سياسية ومورس عليها قدر لا بأس به من التعذيب والتشريد، فأضحت بهذه الحال من البؤس والاتساخ، ولقد تذكرت قول المهاتما غاندي الذي غالبا ما كان يردده حافظ:

إن الدولة الشريرة ليس لديها مكان للصالحين من رجالها ونسائها غير السجون .

وبعد أن أكلت، غسلت الأطباق ووضعتها جانبا قرب قلة المياه في أدب جم وكأنها تشكرها، وكنت أعرف هذا الجانب في الأحباش، فهم أكثر الشعوب أدبا ونظافة ولا يفوقهم في الأدب - في رأيي - غير الصينيين، وأبديت لها هذه الملاحظة فابتسمت وهي تشكرني، ثم أضافت مجاملة: وأنتم أيضا مؤدبون محترمون.

ثم دخلنا في لغة شتى ففهمت أنها هنا في الحبس أكثر أمنا وطمأنينة من وجودها حرة في بلدها، وأنه قبض عليها عندما كانت في طريقها للتسلل خارج الوطن إلى بلادنا الكبيرة، وقالت إنها لا تستطيع العيش مع أهلها لوجود مشاكل أسرية معقدة قد تودي بحياتها، وعندما عرضت عليها نوار سعد أن تأخذها معها لبلدها قالت: إذا طلبت منهم إطلاق سراحي سيوافقون، ولكنهم لن يتركوني أذهب وحدي.

ثم شرحت لي كيف بإمكاني الخروج من هذا المكان قائلة: يمكنك رشوة ضابط الجمارك المسئول. قلت مندهشة: هل يقبل الرشوة؟! قالت وفي فمها ابتسامة: لا أحد في أفريقيا يرفض الرشوة، إنها ليست أكثر من تسهيلات.

كانت سابا تدعي أن آرثور عشيق جدتها الرابعة «برنيش»، وأنه أنجب منها طفلين ولكنهما ماتا غرقا في حادث مؤلم، وجدتها أيضا ماتت بعد أن نقل إليها آرثور رامبو مرض الزهري، وكان لهذه الجدة طفل أكبر من رجل آخر وهو جدها الذي أصله من قبيلة التجراي، وقد مات هذا الجد بعمر يقارب المائة عام 1960م. وتقول إن أسرتها تحتفظ بأوراق مكتوبة بخط رامبو باللغة العربية وأخرى بالفرنسية، وأيضا بسروال من الصوف كانت قد أرسلته إليه أخته «أزبيلا» من «شارلفيل»، والغريب في الأمر أن سابا تحفظ قصيدة شعر مطولة بالأمهرا تقول إن رامبو نفسه هو الذي ألفها، وكانت تعرف تفاصيل عن حياة رامبو لا أعرفها عن مولده، عن تجارته باليمن وعلاقته بتجارة الرقيق التي كانت تنفيها سابا بشدة، وكنت بين مصدقة ومكذبة لما أسمع.

والحوار أيضا

وعندما رشوت ضابط ...

ناپیژندل شوی مخ