109

فضحكنا معطين المسألة طابعا هزليا متجاهلين بعدها المأساوي.

في الخلاص

فتحت الجامعة ثم ...

فتحت الجامعة ثم أغلقت مرة أخرى عندما تفشى وباء الكوليرا في الداخليات، وثكنات أساتذة الجامعة، وجند طلاب الطب والمعاهد الصحية، وكليات الصحة والمختبرات الطبية في حملة قومية ضد الكوليرا والملاريا وغيرها من الحميات المتفشية في البلاد، ولكني لم أشارك في الحملة نسبة لمرض المختار بالغابة الذي دخل في أسبوعه الثاني، حمى هذيان، عدم مقدرة على المشي، ثم عودة للحياة الطبيعية بكل حيوية ونشاط لمدى يومين أو ثلاثة، ثم الانتكاس مرة أخرى، حمى، هذيان، عدم مقدرة على المشي ... ورفض الذهاب إلى أخصائي باطنية، وهو صديق له بالمدينة، كان يعمل كطبيب للسجن الكبير، مشهود له بالكفاءة. قال: أنا طبيب، ولكني لا أعترف بما يسمى بالطب الحديث، فالإنسان طبيب نفسه، فإذا عجزت عيادته الذاتية عن علاجه؛ فكيف يعالجه الأطباء وهم أقل معرفة به عن ذاته؟

كان وضع المختار الصحي لا يحتمل الفلسفة، فذهبت للأخصائي صديقه بالسجن الكبير وحدثته بمرض المختار؛ فصحبني للغابة بعربته وهو في غاية التأثر، قال لي إنه درس والمختار في الجامعة الكبيرة، وإن المختار كان يسبقه بدفعة واحدة، ولكنه كان مشهورا بين التلاميذ بخرافاته وصوفيته؛ وكان رئيسا لرابطة «البراسايكولوجست»، وسألته عن أسرة المختار؟ قال: ما كان يحدثنا عن أسرته أبدا، إلا إذا أصيب بحمى يهذي، وهو أيضا نادرا ما يصاب بالحمى أو بمرض عضال، ولكن الحمى تجعله يهذي كالمجنون ويتحدث عن أمه ، أمه فقط .

المستشفى

عندما فحصه جيدا، الأخصائي

ولمدى نصف ساعة قال: إنه يحتاج لفحص أدق عن طريق الأجهزة الحديثة، وهي بالعيادة الحديثة في المدينة، ومن الأفضل أخذه إلى هناك، ولكن بالتأكيد رفض، رفض تماما فكرة الذهاب إلى المدينة، وإلى المستشفى بالذات.

كان المحراب حزينا وبائسا تفوح منه رائحة الحمى والرطوبة، توقفنا تماما عن القراءة إلا القليل، وذلك عندما يفيق من هذيانه فيقول: اقرئي علي شيئا من بدر شاكر السياب؛ فأقرأته أنشودة المطر، وهكذا لا نقرأ سوى أنشودة المطر للسياب، سوى بعض الأبيات ثم نكررها، ودارت الطواحين، طواحين اللحظات العصبية بطواحين الريح والشعر، وكادت أن تعم الفوضى حياتنا كلها، كلما اشتد المرض بالمختار، كلما فقد التركيز في أمور الحياة.

كنت أذهب بين وقت وآخر للمدينة لإحضار بعض الفاكهة وضروريات أخرى، أما المزرعة؛ فقد أهملتها تماما إلى أن حضرت ذات صباح نور سعد، وفي نفس اليوم وبعدها بلحظات حضر أمين، أمين محمد أحمد، قالت إنها عادت لتوها من مدريد لتعلم بمرض المختار، وقالت: إن البلاد بعد رحيل مايازوكوف لم يكن بالإمكان العيش فيها. قالت: لقد أعطانا مايازوكوف سمكة مشوية، ولكن لم يعطنا صنارة ويعلمنا كيف نصطاد! قالت بعودته ربما ... ربما استطعت البقاء بالرغم من الذباب والبعوض والكوليرا، الأغاني الهابطة، قلت لها: إن مايا نفسه لا يستطيع البقاء في هذه المدينة؛ لأنه مستاء جدا. قالت: زوجته هي السبب والظرف ذاتي، ولكن إذا كان وحده ... أنا متأكدة من أنه يستطيع أن يجد الواقع المناسب والظرف الذاتي الضروري لبقائه ... وقد التقيت به قبل أن يأتيكم هنا ... وكان المختار نائما، أو بالأحرى في حالة غيبوبة وحمى، قال أمين: لم أسمع بمرضه غير اليوم، لقد أخبرتني سارة حسن وقالت: إنها تواصلكم باستمرار. - إنها تزورنا كثيرا. - كيف أخبار المزرعة؟ هل تبقى منها شيء ما؟ أما زلت تكتب القصائد الجميلة؟ ابتسم أمين وهو ينهض برشاقة ليمضي مع نوار سعد.

ناپیژندل شوی مخ