الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ فيه إثبات توحيد الألوهية؛ فإنَّ طلبَ الهداية من الله دعاءٌ، وقد قال رسول الله ﷺ: "الدعاءُ هو العبادة"، فيسأل العبدُ ربَّه في هذا الدعاء أن يَهديَه الصرطَ المستقيمَ الذي سلكه النبيُّون والصدِّيقون والشهداء والصالِحون، الذين هم أهل التوحيد، ويسأله أن يُجنِّبَه طريقَ المغضوب عليهم والضالِّين، الذين لَم يحصل منهم التوحيدُ، بل حصل منهم الشِّركُ بالله وعبادةُ غيره معه.
وأمَّا سورة الناس، فقوله: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ فيه إثباتُ أنواع التوحيد الثلاثة؛ فإنَّ الاستعاذةَ بالله فيه توحيد الألوهيَّة.
و﴿بِرَبِّ النَّاسِ﴾ فيه إثبات توحيد الربوبيَّة وتوحيد الأسماء والصفات، وهو مثل قول الله ﷿ في أول الفاتحة: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
وقوله: ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾ فيه إثباتُ الربوبيَّة والأسماء والصفات.
و﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾ فيه إثبات الألوهية والأسماء والصفات.
والنسبةُ بين أنواع التوحيد الثلاثة هذه أن يُقال: إنَّ توحيدَ الربوبيَّة وتوحيدَ الأسماء والصفات مستلزمان لتوحيد الألوهية، وتوحيد الألوهيَّة متضمِّنٌ لهما، والمعنى أنَّ مَن أقرَّ بالألوهيَّة فإنَّه يكونُ مُقرًّا بتوحيد الربوبيَّة وبتوحيد الأسماء والصفات؛ لأنَّ مَن أقرَّ بأنَّ اللهَ هو المعبودُ وحده فخصَّه بالعبادة ولم يجعل له شريكًا فيها، لا يكون منكرًا أنَّ اللهَ هو الخالقُ الرازقُ المُحيي المميتُ، وأنَّ له الأسماء الحسنى والصفات العُلَى.
وأمَّا مَن أقرَّ بتوحيد الربوبيَّة وتوحيد الأسماء والصفات، فإنَّه يلزمه أن يُقرَّ بتوحيد الألوهيَّة، وقد أقرَّ الكفَّارُ الذين بُعث فيهم رسول الله
1 / 14