فمن سألنا من اليهود والنصارى، وأهل الكتاب المقرين بالتوحيد، قلنا لهم: الدلائل كثيرة على تصحيح نبوته عليه السلام، وذلك أنه أتى بما يعجز الخلائق عن مثله، فلما أن أتى بما يعجز الخلائق عن مثله؛ علمنا أنه ليس في قدرة المخلوقين فعله، وأنه لم يفعله إلا الخالق، ولم يضعه إلا على يدي أمين صادق.
فإن قال: فما الأعلام التي جاء بها تعجز الخلائق عن مثلها؟ قلنا له: ذلك أكثر من أن يحصى.
منه الماء القليل الذي سقى منه العالم الكثير.
ومنه الخبز القليل الذي أطعم منه البشر الكثير.
ومنه أن ذئبا تكلم على نبوءته.
ومنه أنه أمر شجرة فأقبلت تحد الأرض، ثم أمرها فرجعت.
ومنه كلام الذراع المسمومة له. وواحدة من هذه الأعلام تجزي، بعد أن تكون معجزة للخلق.
فلما أن أتى صلى الله عليه بهذه المعجزات(1) التي ذكرنا، علمنا أنه نبي صلى الله عليه وآله.
فإن قال: فما الدليل على أنه جاء بهذه الأعلام التي تذكرها، ومن خالفك لا يقر لك بذلك؟
قيل له: الدلائل على ذلك: الأخبار المتواترة، التي لا يجوز على مثلها الشك، عن قوم متفرقي(2) الديار، بعيدي الهمم، مختلفي التجارات والصناعات، والألسن والألوان، يعلم أن مثلهم لا يجوز عليهم الإجتماع والتواطؤ، فلما أجمعوا ينقلون هذا الخبر؛ علمنا عند خبرهم إذ جاء هذا المجيء أنه حق وصدق؛ لأنه لو جاز على مثل ما ذكرنا التواطؤ (على الكذب)(3) لكنا لا ندري لعلنا إذا دخلنا مثل البصرة والكوفة، أو بعض هذه الأمصار التي لم ندخلها؛ فقيل لنا: هذه مكة، هذه الكوفة، وهي المدينة، أنهم قد كذبوا، وأن أهل البلد قد تواطؤا على أن يخبرونا بخلاف ذلك.
فإن قلت: لا يجوز لأهل بلد واحد أن يتواطؤا، ويجتمعوا على شيء واحد.
مخ ۵۷۳