بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين * (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) * [1 / الانعام: 6] لا تشرك بالله ولا نتخذ من دونه إلها ولا وليا، نحمده على ما خصنا به من نعمه، ودلنا عليه من طاعته، واستنقذنا به من الهلكة برحمته، وبصرنا من سبيل النجاة، وابتدأنا به من الفضل العظيم والاحسان الجسيم بمحمد البر الرؤوف الرحيم صلى الله عليه وآله وسلم.
أرسله إلينا فكان كما قال عز وجل: * (لقد جاء كم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) * [128 / التوبة: 9].
فبلغ - عليه وعلى آله الصلاة والسلام - رسالة ربه، ونصح لامته، وأدى ما ائتمن عليه، واحتج لله ودعا إليه بالموضعة البالغة والحكمة الجامعة، وأجهد نفسه، واجتهد في أمره، واحتمل
مخ ۶
الأذى في دينه، واصطبر على كل محنة وبلوى، حتى قبضه الله عز وجل إليه وقد رضي فعله وشكر سعيه وغفر ذنبه، فقال سبحانه: * (إنا فتحنا لك فتحا مبينا (1) ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر...) * [2 / الفتح: 48].
[إتمام الرسول للحجة].
فمضى صلى الله عليه وآله وسلم وقد بين للأمة وأدى إليهم جميع ما يحتاجون إليه مما فرض الله عليهم في محكم تنزيله على لسان نبيه من الحلال والحرام والحدود والمواريث والأمر والنهي.
فقبض وليس لاحد على الله حجة بعدما كان منه صلى الله عليه وآله من البيان والشرح والأمر والنهي والترغيب والتحذير، وكذلك قال سبحانه - فيه وفي من كان قبله من الأنبياء -:
* (رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) * [165 / النساء: 4].
[ما خلف النبي من بعده] فترك صلى الله عليه وآله بين أظهرهم من كتاب الله الكريم حجة عليهم، وما فيه بيان ما يحتاجون إليه وما يعملون به، هدى وشفاء لما في الصدور، فيه أصل كل شئ وفرعه، كما قال سبحانه: * (.. ما فرطنا في الكتاب من شئ) * [38 / الانعام: 6]
مخ ۷
وكيف يجوز أن يكون فيه تفريط، وهو جامع لما افترض الله سبحانه على عباده، وفي كل آية منه [لله] سبحانه وتعالى حجة وبيان لما حرم وأحل وحدد وفرض!؟
وقد حفظه الله، فلم تزل منه آية، ولم تذهب منه سورة، لما ذكرنا من إكمال الحجة على عباده، وذلك قوله عز وجل:
* (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) * [9 / الحجر: 15] وقال سبحانه وتعالى: * (في لوح محفوظ) * [22 / البروج: 85] وقال سبحانه: * (وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) * [41 - 42 / فصلت: 41] فما حفظه الله سبحانه وتعالى فغير ضائع وما حاط (1) فغير ذاهب.
[تضييع أحكام الكتاب الكريم] فعند فقد الأمة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضيع الكتاب، وما افترض الله عز وجل عليهم، فلم يعمل بما أنزل الله تعالى فيه، ولم يلتفت إلى شئ مما جرت به الاحكام عليه.
[الاختلاف] واختلفت الأمور عند قبضه عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، وانقصمت الظهور وبدت من الأقوام عليه وعلى عترته عليهم السلام ما كانوا يخفون من ضغائن الصدور.
مخ ۸
[وضع الحديث] وتكلم كل بهواه، وجاء كل بحديث ينقض به حديث صاحبه وكل يزعم أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله، مع ما في ذلك من خلاف محكم التنزيل، وما في كتاب الله الجليل، يعلمون ذلك، وهم راضون في الحكم بغير ما فيه.
وقد أجمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لهم: إنه سيكذب على كما كذب على من كان قبلي من الأنبياء، فما جاء كم عني فاعرضوه على كتاب الله عز وجل فما وافق كتاب الله عز وجل فهو مني وأنا قتله، وإن قالوا: لم يقله، وما خالف كتاب الله عز وجل فليس مني ولم أقله، وإن قالوا: قاله.
[نشوء الفرق] ثم افترقت هذه الأمة، بعد ما كان منها مما ذكرنا، على أربع فرق، كل فرقة تكفر الأخرى، في من يقوم مقام رسول الله:
فرقة تقول: نصب رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب للمسلمين إماما، نصبه نصبا ونصه نصا باسمه ونسبه، ودعا إليه، وحث عليه، وافترض طاعته.
وفرقة أخرى تقول: أومأ رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام إيماء ودل عليه وأشار إليه، وقال فيه أقاويل تشهد له بالعدالة ويستوجب بأقلها الإمامة، واحتجت بحجج كثيرة فيه، وقد ذكرناها لك في كتاب غير هذا.
مخ ۹
وفرقة قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، والصلاة عماد الدين، فقلنا - عندما انتخبه رسول الله صلى الله عليه وآله ورضي به إماما للصلاة -:
إنه خير أصحابه، وإنه حقيق بالإمامة!.
وأكثروا الحجج والخطب في أمر الصلاة، وسأذكر (2) ذلك والحجة عليهم فيه في موضعه إن شاء الله تعالى.
وقالت الفرقة الرابعة - وهي جل الناس - لا نعرف من هذه الأقاويل شيئا، لان رسول الله صلى الله عليه وآله قبض - يوم قبض - ولم ينصب أحدا، ولم يؤم إلى أحد، ولم يأمر أحدا بالصلاة ولا غيرها، فترك الأمة تختار لأنفسها من رأوا أنه أفضلهم وأحسبهم وأعلمهم عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وآله وعن كتابه.
وزعموا: أن ذلك فرض على كل إمام واجب، وأنه لا يحل للامام أن يعقد الإمامة لاحد بعده، لان في ذلك خلافا لرسول الله صلى الله عليه وآله ولما فعل، وأن من فعل ذلك كان ظالما مخطئا.
واحتجوا في ما ادعوه بأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله:
منها: زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لان تختاروا لأنفسكم أحب إلي من أن أولي عليكم واليا، إن أحسن كان
مخ ۱۰
لنفسه وإن أساء كان مني، وكانت الحجة لكم غدا (3). واحتجوا بأحاديث مثل هذا، يغني ذكر هذا عن ذكرها.
[دعوى الاجماع على أبي بكر] ثم زعموا أن الناس اجتمعوا على أبي بكر فقلدوه الامر، وأقاموه مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وادعوا له قياما بأمر الله تعالى، واستصلاحا لما تحتاج إليه الأمة.
فسألنا هذه الفرق الأربع: هل أجمعتم على ما ادعت هذه الفرقة من إمامة أبي بكر؟
فقالت فرقتان: معاذ الله! كيف؟ ونحن نقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد نصب إماما وأشار إليه.
وادعت فرقتان منهم الاجماع معهما.
فبطل قول من قال بالاجماع، بخلاف هاتين الفرقتين.
ثم سألناهم عن الاختيار لأبي بكر: أكان أمر (4) رسول الله صلى الله عليه وآله، وعهد إلى قوم بأعيانهم ليختاروا إماما منهم يقوم مقامه: أم جعل الاختيار عاما إلى الناس كلهم؟
قالوا: بل، إلى الناس كلهم.
قلنا: فهذا الاختيار كان ممن كان بالمدينة وغائبا عنها باليمامة والبحرين واليمن؟
مخ ۱۱
قالوا: لا (5) لكن من أهل المدينة.
قلنا: فأين الاجماع؟ وإنما كان بالمدينة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله اثنا عشر ألفا، وغائبا بالمواضع التي ذكرناها ألوف لا تحصى، وأهل الدار، والمهاجرون إليها الذين حضروا مختلفون لم يجتمعوا، أو لم يحضروا، وعددهم ما رسمناه.
ولقد حضر السقيفة من أصحابه عليه أفضل الصلاة والسلام ثلاثمائة جلهم من الأنصار، وذلك ربع عشر أصحابه! فهل اجتمعوا؟ فإن قالوا: نعم.
قلنا: فيا سبحان الله!
كيف يكون الاجماع؟ والأنصار تقول: منا أمير ومنكم أمير؟
وأين الاجماع؟ وسعد بن عبادة وابنه وعصابة معهم أنكروا البيعة، وسعد يصيح بأعلى صوته عند البيعة: يا معاشر الأنصار، املكوا أيديكم قليلا.
والناس كلهم - الذين حضروا السقيفة - يهرجون، لم يقع الرضا من جميعهم، حتى وتب أوس بن خولي، فقال لأبي بكر:
ابسط (6) يدك أبايعك عندما سمع من قول الأنصار: منا أمير ومنكم أمير مخافة أن يتم هذا القول، فتقدم الأنصار سعد بن
مخ ۱۲
عبادة، فيكون أميرا ويكون الامر في الخزرج، ويبقي أوس بن خولي وعشيرته سوقة، وهم الأوس، فدخله الحسد للخزرج ولسعد، لما كان بينهم من الضغائن في الحروب التي كانت في الجاهلية، التي رفعها الله تعالى عنهم بمحمد صلى الله عليه وآله.
وكان سعد عظيم القدر في الأنصار وفي العرب - وكانت إذا اجتمعت الأنصار قدمت سعدا، وإذا افترقت قدمت الخزرج سعدا، وقدمت الأوس أوسا - فداخل أوسا الحسد لسعد وللخزرج، وخاف إن تم ذلك أن يخمل هو وعشيرته، فبادر بالتسليم والبيعة، ليكون أقطع للكلام الذي يخافه: منا أمير ومنكم أمير، وتابعه الأوس ومن حضر.
[كيفية تعميم البيعة؟] ثم نهض أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح ومن نهض معهم من أهل السقيفة محتزمين بالأزر، معهم المخاصر لا يمرون بأحد ولا يلقونه إلا خبطوه، وقالوا: بايع! من غير أن يشاور أو يعلم خبرا.
فأين الاجماع من هذا الفعل؟
وأين الاجماع؟ وعمر بن الخطاب يقول على المنبر: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقي الله شرها، فمن عاد لمثلها فاقتلوه.
والفتلة: فهي النهزة والخلسة والاغترار والمبادرة.
مخ ۱۳
فكيف يكون الاجماع على شئ انتهز وبودر واختلس من أهله اختلاسا.
ثم يوجب على فاعل ذلك القتل! فلا يجب إلا على أحد ثلاثة: إما كافر بعد إيمان، أوزان بعد إحصان، أو قاتل النفس بغير حق؟.
ولم يكن في هذا الفعل شئ من الخصلتين الأخيرتين، وإنما أوجب القتل على من كانت بيعته مثل بيعة أبي بكر، لأنه عنده قد كفر وخرج من الاسلام بفعله.
فأوجب بهذا القول - على نفسه وعلى صاحبه - الكفر بالله تعالى، والقتل: لأنهما أصل هذا الفعل وفرعه.
فيا للعجب! ممن يسمع مثل هذه الأمور المتناقضة! ولا ينفعه سمعه!!
وأين الاجماع؟ وقد طلع أبو بكر المنبر - بعدما عقد له - فوثب اثنا عشر رجلا من خيار أصحاب محمد صلى الله عليه وآله.
منهم: عمار بن ياسر، والمقداد ابن الأسود الكندي، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وأبو الهيثم بن التيهان، وسهل بن حنيف، وأخواه الأنصاريان، ومعهم غيرهم ممن اختلف في اسمه رضي الله عنهم وأرضاهم ورحمهم فقالوا لأبي بكر: الله! الله! في سلطان محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا تخرجه من بيته إلى بيوتكم ، ولا تأخذ ما ليس لك، ولا تقعد في غير موضعك، وإن أهل بيت
مخ ۱۴
النبوة أحق بهذا الامر منك، ولم تأخذه من أيدي العرب - الذين هم أشد عناء في الاسلام - إلا بقرباك إلى محمد صلى الله عليه وآله، وهم أقرب منك!!
مع كلام كثير تكلم به كل رجل منهم، يعنفونه فيه ويوبخونه، فعند فراغهم من كلامهم أرسل نفسه من المنبر، ولزم بيته يومه ذلك، ولم يأمر ولم ينه.
فلما كان من الغد غدا إليه عمر وسعد وعبد الرحمن و طلحة وغيرهم من قريش، كل رجل منهم في أهل بيته في السلاح الشاك، وأخرجوه حتى أقعدوه على المنبر، ثم قالوا:
قل ما بدا لك، ثم سلوا السيوف وقعدوا تحت المنبر، ثم قالوا:
والله! لئن عاد أحد يتكلم بشئ مما تكلم به رعاع بالأمس.
لنضعن أسيافنا فيه!!
فأحجم الناس وكرهوا الموت، فلم يتكلم أحد.
[غياب أمير المؤمنين وسائر بني هاشم عن البيعة] وأين الاجماع؟ وبنو هاشم - إليهم يرجع الشرف والذكر والقول في الجاهلية والاسلام - لم يبايع منهم أحد، ولم يشهدوا، ولم يشاوروا؟!
وأمير المؤمنين علي عليه السلام لازم بيته، قد أبى أن يخرج معهم، وأبي أن يحضر.
مخ ۱۵
وقد أرسلوا إليه ثلاثة رسل، رسولا بعد رسول: أن اخرج، فبايع خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله.
فرد عليهم: ما كان أسرع ما كذبتم على رسول الله.
ثم عاد الرسول ثانية، فقال: أجب أمير المؤمنين.
فقال عليه السلام: يا سبحان الله! ما أجزأ من تسمى بما ليس له!؟
ثم رجع إليه ثالثة، فقال: أجب أبا بكر، فقد أجمع عليه المسلمون وبايعوه، فبايعه أنت وادخل في ما دخل فيه الناس!
[هجو مهم على باب أهل البيت] فقال أبو بكر لعمر: انهض في جماعة واكسر باب هذا الرجل، وجئنا به يدخل في ما دخل فيه الناس!!
فنهض عمر ومن معه إلى باب علي عليه السلام.
فدقوا الباب، فدافعته فاطمة صلوات الله عليها فدفعها، وطرحها!
فصاحت: يا عمر! أحرجك بحرج الله أن لا تدخل علي بيتي، فإني مكشوفة الشعر، مبتذلة!!.
فقال لها: خذي ثوبك!!
فقالت: ما لي؟ ولك؟؟ ثم قال لها: خذي ثوبك فإني داخل!!!
فأعادت عليه البتول، فدفعها، ودخل هو وأصحابه؟؟.
مخ ۱۶
فحالت بينهم وبين البيت الذي فيه علي عليه السلام - وهي ترى أنها أوجب عليهم حقا من علي عليه السلام لضعفها وقرابتها من رسول الله صلى الله عليه وآله - فوثب إليها خالد بن الوليد، وضربها بالسوط على عضدها، حتى كان أثره في عضدها مثل الدملج!!!.
وصاحت عند ذلك! فخرج عليهم الزبير بالسيف!؟
فصاح عمر: دونكم الليث! (7) فدخل في صدره عبد الله بن أبي بيعة، فعانقه، وأخذ السيف من يده، وضرب به حتى كسره.
فدخلوا البيت، فأخرجوا عليا عليه السلام ملبوبا، فتعلق به جماعة منهم حتى انتهي به إلى أبي بكر!!!.
[رفض علي عليه السلام بيعة أبي بكر] فقال له أبو بكر: بايع؟!!.
فقال عليه السلام: ما أفعل.
فقال عمر: ما تفارقنا أو تفعل!؟
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: احلب حلبا لك شطره، شدها له اليوم يردها لك غدا؟؟!!.
مخ ۱۷
فأين الاجماع من هذا الخبر؟؟
[الصحابة الكرام يرفضون بيعة أبي بكر] وأين الاجماع؟؟ وكثير من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله قد أبوا البيعة، منهم: خالد بن سعيد، كان ولاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زبيدا حين ارتد عمرو بن معديكرب، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لحربهم، فلما هزمهم وأمكن الله منهم ولي عليهم خالد ابن سعيد رضي الله عنه وأرضاه، وكان على مقدمتهم، فلم يزل فيهم حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قدم بزكواتهم، فدفعها إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام، أبي أن يسلمها إلى أبي بكر، فأرسل أبو بكر إلى علي عليه السلام فقبض منه الزكاة.
ودعا أبو بكر خالد بن سعيد رضي الله عنه للبيعة، فأبي، فأمره أن يلحق بأطراف الشام!!
ثم زعم أصحاب الحديث والاخبار: أنه أمر بقتله، فقتل.
وزعم بعضهم: أنه قتل في وقعة كانت هنالك.
والصحيح: أنه لم يكن ثم وقعة.
وغيره ممن لم يبايع كثير.
[أبو بكر في ولاية أسامة] وكيف تنعقد بيعة لمن هو في بيعة غيره؟؟
ألم يكن رسول الله [صلى الله عليه وآله] وجه أبا بكر وعمر وغيرهما في جيش أسامة بن زيد قبل وفاته صلوات الله عليه،
مخ ۱۸
وأمرهم: يسمعون له ويطيعون؟ يصلون بصلاته؟ ويأتمرون بأمره؟ وقال صلى الله عليه وآله وسلم: أنفذوا جيش أسامة ولا يتخلف إلا من كان عاصيا لله ولرسوله.
فلما صار أسامة بعسكره على أميال من المدينة بلغهم مرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فرجع أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ابن الجراح، فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تغير لونه، وقال: اللهم إني لا آذن لاحد أن يتخلف عن جيش أسامة.
وهم أبو بكر بالرجوع إلى أسامة والحقوق به، فمنعه عمر!!!
ولهما أخبار كثيرة موجودة في خبر جيش أسامة / [قيام علي بجهاز الرسول صلى الله عليه وآله] فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله اشتغل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في جهازه.
ودعا عمر إلى بيعة أبي بكر ولم يلتفتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، حتى فرغوا من أمورهم.
[رفض أسامة بيعة أبي بكر] وقال عمر لأبي بكر: اكتب إلى أسامة بن زيد يقدم عليك، فإن في قدومه عليك قطع الشنعة عنا!!
فكتب إليه أبو بكر: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أسامة بن زيد: أما بعد، فانظر إذا أتاك كتابي هذا فأقبل إلي أنت ومن
مخ ۱۹
معك، فإن المسلمين قد اجتمعوا علي، وولوني أمرهم، فلا تتخلفن فتعصيني ويأتيك ما تكره، والسلام.
فأجابه أسامة بن زيد، وكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أسامة بن زيد عامل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على غزوة الشام، إلى أبي بكر بن أبي قحافة، أما بعد، فقد أتاني كتابك ينقض أوله آخره، ذكرت في أوله: أنك خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وذكرت في آخره: أن الناس قد اجتمعوا عليك وولوك أمرهم ورضوا بك!!!
واعلم أني ومن معي من المهاجرين والأنصار وجميع المسلمين ما رضيناك ولا وليناك أمرنا، فائق الله ربك، وإذا قرأت كتابي هذا فاقدم إلى ديوانك الذي بعثك فيه النبي صلى الله عليه وآله ولا تعصه، وأن تدفع الحق إلى أهله: فإنهم أحق به منك.
وقد علمت ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام يوم الغدير! وما طال العهد فتنسي؟!
فانظر أن تلحق بمركزك، ولا تتخلف فتعصي الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وآله، وتعصي من استخلفه رسول الله صلى الله عليه وآله عليك وعلى صاحبك، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استخلفني عليكم ولم يعزلني، وقد علمت كراهة رسول الله صلى الله عليه وآله لرجوعكم مني إلى المدينة،
مخ ۲۰
وقال صلى الله عليه وآله: لا يتخلفن أحد عن جيش أسامة إلا كان عاصيا لله ولرسوله صلوات الله عليه وعلى آله.
فيالك الويل! يا بن أبي قحافة! تعدل نفسك بعلي بن أبي طالب عليه السلام وهو وارث رسول الله صلى الله عليه وآله ووصيه وابن عمه وأبو ولديه؟؟
فاتق الله - أنت وصاحبك - فإنه لكما بالمرصاد، وأنتما منه في غرور!
والذي بعث محمدا صلى الله عليه وآله بالحق نبيا ما تركت أمة وصي رسولها ولا نقضوا عهده إلا استوجبوا من الله اللعنة والسخط!.
فلما وصل الكتاب إلى أبي بكر هم أن يخلعها من عنقه، فقال عمر: لا تفعل، قميص قمصك الله تعالى لا تخلعه! فتندم!
فقال له: يا عمر! أكفر بعد إسلام؟؟؟
فألح عليه عمر، وقال: اكتب إليه وإلى فلان وأمر فلانا وفلانا وفلانا - جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله - يكتبوا إليه: أن اقدم، ولا تفرق جماعة المسلمين!؟
[احتجاج أسامة على أبي بكر] فلما وصلت كتبهم، قدم المدينة ودخل إلى علي عليه السلام فعزاه عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وبكى بكاء شديدا، وضم الحسن والحسين عليهما السلام إلى صدره، وقال: يا علي، ما هذا؟!
مخ ۲۱
قال عليه السلام: هو ما أنت ترى!
قال: فما تأمرني؟؟
فأخبره بما عهد إليه رسول الله صلى الله عليه وآله من تركهم حتى يجد أعوانا.
ثم أتى أبو بكر إلى أسامة، وسأله البيعة؟
فقال له أسامة: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرني عليك!
فمن أمرك علي؟؟ والله لا أبايعك أبدا، ولا حللت لك عهدي، فلا صلاة لك إلا بصلاتي!!
أفلا يرى من عقل: أن أسامة أمير على أبي بكر، وهو أحق بهذا الامر وأولى منه، لان رسول الله صلى الله عليه وآله مات وهو عليه أمير، لم يعزله عن إمرته.
فأين الاجماع؟ والرضا؟؟ مع هذه الأخبار؟؟؟
[احتجاج أبي قحافة على الخلافة] ولقد قال أبو قحافة حين ذكر عليا عليه السلام فقالوا له: ابنك أسن من علي عليه السلام!
فقال: أنا أسن من ابني! فبايعوني!! ودعوه!!!
ثم رجع القول إلى التي أثبتت إمامة أبي بكر من جهة الصلاة بالناس:
فسألناهم البينة من غير أهل مقالتهم على أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر أبا بكر بالصلاة بالناس؟
مخ ۲۲
فلم يأتوا بالبينة على ذلك!
وأجمعت الثلاث الفرق التي خالفتهم: أن عائشة هي التي أمرت بلالا عندما آذن رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: مر أبا بكر أن يصلي بالناس.
فبطلت حجة من زعم أن رسول الله أمر أبا بكر بالصلاة، ولم نجد أحدا يشهد لها على هذا الادعاء!
[مبادرة الرسول إلى الصلاة وتأخيره أبا بكر عنها] ثم أجمع جميع أصحاب محمد صلى الله عليه وآله أنه لما أفاق من غشيته، سأل: من المتولي للصلاة؟
فقالوا: أبو بكر.
فنهض صلى الله عليه وآله متوكئا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة بالاجماع، والرجل الاخر مختلف فيه، قد قيل: الفضل بن العباس، وقيل: غيره، تخط الأرض قدماه حتى جر أبا بكر من المحراب، فأخره، وتقدم صلى الله عليه وآله وسلم فصلى بالناس قاعدا، والناس وراءه [قيام] ثم قال: ألا إن هذه الصلاة لا تحل لاحد من بعدي.
فزعمت هذه الفرقة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إماما لأبي بكر، وإن أبا بكر [كان] إماما للناس!
فقلنا لهم: أخبرونا هل كان أحد من الناس يحتاج إلى إمامة أحد مع رسول الله صلى الله عليه وآله؟
مخ ۲۳
أو هل كان بإمامة رسول الله نقص أو تقصير!؟ حتى تضم معه إمامة أبي بكر؟!
أو هل سمعتم في ما مضى؟ أو يصلح ما يستأنف؟
إمامان في صلاة واحد؟؟
قالوا: لا قلنا فما معنى ذكركم: أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله إمام غيره.
قالوا: لأنه قد كان أم الناس كلهم!
قلنا: فإذن لم يصلح أن يكون إماما، وإنما منرلته في ذلك المكان منزلة أول صف!؟
قالوا: قد كانت له فضيلة، لأنه قد كان يسمع الناس بالتكبير عند ركوع رسول الله صلى الله عليه وآله وسجوده، لضعف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قلنا: يا سبحان الله! ما أقبح ما تسندون إلى أبي بكر!
تزعمون أنه كان يرفع صوته فوق صوت النبي، والله عز وجل يقول: * (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي...) * [2 / الحجرات: 49] فإن كان أبو بكر فعل ما قد ذكرتم عنه، فهي خطيئة لا فضيلة، يجب أن يستغفر له منها.
مخ ۲۴
ورسول الله صلى الله عليه وآله في حال ضعفه أقوى من أبي بكر في حال قوته.
وقد مرض صلوات الله عليه وعلى آله مرارا، منها: حين صرعه فرسه، فاعتل من ذلك - عليه وعلى آله الصلاة والسلام - علة شديدة، فلم يحتج إلى مسمع، كان يسمع من في أقصى المسجد و أدناه، لأنه كان لطيفا، حدوده اليوم معروفة.
[تأخير النبي أبا بكر عن إمامة الصلاة] ثم قلنا لهم: أخبرونا عن تأخير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر؟ هل تأخيره يخلو عندكم من أحد وجهين:
إما أن يكون الله أمره بتأخيره عن ذلك المقام، بوحي أنزل عليه في تلك الساعة، فأزعجه ذلك، وأخرجه مع شدة الحال والعلة وضعفه الذي كان فيه!؟
أو يكون رأيا رآه رسول الله صلى الله عليه وآله في أبي بكر حين أخبر بتوليته الصلاة، فأخره: لعلمه أنه لا يصلح لذلك المقام!
فيا لها من فضيحة على أبي بكر، وعلى من قال بهذه المقالة بتأخير رسول الله صلى الله عليه وآله له عن ذلك المقام! على أي الوجهين كان؟؟!!.
فكيف يجوز عندكم أن يؤخره رسول الله صلى الله عليه وآله عن الصلاة؟ وتقدمونه - أنتم - للإمامة؟؟.
مخ ۲۵