حينئذ حاضر، له قدرة فيما يقدر عليه ذلك اليوم، ويقدر على ذلك كما هو في حال الحياة الدنيا، كما كان يرمي العدو وهم ألوف بكف من تراب فيعميهم، ويروي الألوف العطاش ويشبعهم بقليل من الماء والطعام، وفي الحديث: "إنكم تتهافتون في النار تهافت الفراش، وأنا آخذ بحجزكم لئلا تقعوا فيها" (١) . وأعظم من هذا أن الله نسب إخراج الكفار من النور إلى الظلمات إلى الطاغوت وهي الأصنام، مع أنها لا قدرة له بوجه، لكن لما كانت سببا للإخراج نسب الإخراج إليها وكذلك هنا لما كان النبي ﷺ سببا للإنقاذ من العذاب نسب الإنقاذ إليه. وفي دعاء الاستسقاء "اللهم أغثنا غيثا مغيثا" (٢) قالوا: معناه منقذا من الشدة، مع أن الغيث جماد لا قدرة له، لكن لما كان سببا للإنقاذ والإغاثة نسب الإنقاذ إليه، وقد اشتهر عند العلماء أنبت الربيع البقل ومنع البقاء تقلب الشمس، مع أن المنبت في الحقيقة هو الله والمانع للبقاء هو الله، وقال: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ [القصص:١٥] . مع أن القضاء من الله، وقال في حق نبيه: ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف:١٥٧] مع أن الواضع هو الله، لكن لما كان سببا للفعل نسب الفعل إليه، بل جميع الأفعال تنسب إلى فاعلها فيقال: فلان أعطي وفلان منع، وفلان نفعني وفلان ضرني، ويلزم على قول هذا ألا تنسب الأفعال إلى فاعلها ولا قائل به. قال: وورد نسبة الإنقاذ من النار إلى
_________
(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند "١ / ٤٨٨" عن عبد الله بن مسعود ﵁ وأخرج نحوه البخاري، كتب الرقاق، باب الإنتهاء من المعاصي، حديث رقم ٦٤٨٢، ومسلم، كتاب الفضائل، باب شفقته على أمته ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم، حديث رقم ٥٩١٤.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في المسند "٤ / ٣٢٢" وأبو داود، كتاب الصلاة، باب رفع اليدين في الاستسقاء حديث رقم ١١٦٩ بلفظ: "اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا مريئا ٠٠" وأخرج نحوه البخاري، كتاب الاستسقاء باب الاستسقاء، في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة رقم ١٠١٤، ومسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء، حديث رقم ٢٠٧٥ بلفظ: "اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا".
1 / 44