59

تشنيف المسامع بجمع الجوامع

تشنيف المسامع بجمع الجوامع لتاج الدين السبكي

پوهندوی

د سيد عبد العزيز - د عبد الله ربيع، المدرسان بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر

خپرندوی

مكتبة قرطبة للبحث العلمي وإحياء التراث

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

١٤١٨ هـ - ١٩٩٨ م

د خپرونکي ځای

توزيع المكتبة المكية

ژانرونه

في الإكراهِ على شُرْبِ الخَمْرِ وكَلِمَةِ الكُفْرِ، وتَارَةً قيلَ: إنَّه كَلَّفَه، كما في الإكراهِ على القتلِ، فيَعْتَقِدُ أكثرُ الفقهاءِ أنَّه كُلِّفَ الصبرَ على قتلِ نفسِه، والمختارُ عندَ المصنِّفِ أنَّه كُلِّفَ أنْ لا يُؤْثِرَ نفسَه على نفسِ غيرِ المكافِئِ له؛ لاسْتِوَائِهِما في نظرِ الشارعِ، فلَمَّا آثَرَ وأقدَمَ لمجرَّدِ حَظِّ نفسِه وَجَبَ عليه القِصاصُ في الأصحِّ، وأَثِمَ بلا خلافٍ، وهذا معنى قولِه: (ولو على القتلِ). وأمَّا قولُهُ: (وإثمُ القاتلِ) فهوَ جوابٌ عنْ سؤالٍ مُقَدَّرٍ؛ تقديرُهُ: إذَا كَانَ المُكْرَهُ غيرَ مُكَلَّفٍ، فَمَا بالُ المُكْرَهِ على القتلِ يَاثَمُ؟ وَأَجَابَ بأَنَّهُ لاَ يَاثَمُ مِنْ حَيثُ إِنَّهُ مُكْرَهٌ وَإِنَّهُ قَتَلَ؛ بَلْ مِنْ حَيثُ إِنَّهُ آثَرَ نَفْسَهُ على غيرِهِ. فَهُوَ ذُو وجهينِ: جِهَةُ الإكراهِ ولاَ إِثْمَ فيها، وجِهَةُ الإِيثَارِ ولاَ إِكْرَاهَ فيها، وَهَذَا لأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: اقْتُلْ زَيْدًا وإِلاَّ قَتَلْتُكَ. فمعنَاهُ التخييرُ بينَ نَفْسِهِ وزيدٍ، فإذا آثَرَ نَفْسَهُ فقدْ أَثِمَ؛ لأَنَّهُ اختيارٌ، وهذا كَمَا يُقَالُ فِي خِصَالِ الكَفَّارَةِ: مَحِلُّ التخييرِ لاَ وُجُوبَ فِيهِ، وَمَحِلُّ الوجوبِ لاَ تخييرَ فِيهِ، فَكَذَا هُنَا، أَصْلُ القتلِ لاَ عِقَابَ فِيهِ، وَالْقَتْلُ المخصوصُ فِيهِ عِقَابٌ؛ لِتَضَمُّنِهِ الاختيارَ، وَهُوَ إِيثَارُ نَفْسِهِ عَلَى غَيْرِهِ. قالَ: وهذا تحقيقٌ حَسَنٌ، وبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لاَ استثناءَ لصورةِ القتلِ مِنْ قولِنَا: الْمُكْرَهُ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ. وقولُ الفقهاءِ: (١١ أ) الإِكْرَاهُ يُسْقِطُ أَثَرَ التصرفِ إِلاَّ في صُوَرٍ - إِنَّمَا ذَكَرُوهُ لِضَبْطِ تلكَ الصُّورَةِ؛ لاَ لأنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ حقيقتِهِ شَيءٌ.

1 / 154