أَبُو عَلِيٍّ: هذه صفاتٌ، وكانَ الشيخُ لا يُفِرِّقُ بينَ الاسمِ والصِّفَةِ، والحاصلُ أنَّ مَن جَعَلَها مُتَرَادِفَةً نَظَرَ إلى اتِّحَادِ دلالتِها على الذاتِ، ومَن مَنَعَ نَظَرَ إلى اختصاصِ بعْضِها بمزيدِ معنًى، فهي تُشْبِهُ المُتَرَادِفَةُ في الذَّاتِ، والمُتَبَايِنَةُ في الصفاتِ.
ومِن ثمَّ قالَ بَعْضُ المُتَأَخِّرِينَ: يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ هذا قِسْمًا آخَرَ وسَمَّاهُ: المُتَكَافِئَةُ، قالَ: وأَسْمَاءُ اللهِ تعالَى الحُسْنَى، وأَسْمَاءُ رسولِ اللهِ ﷺ كلُّها من هذا النوعِ، فإنَّك إذا قُلْتَ: إنَّ اللهَ عزيزٌ، غفورٌ، رحيمٌ، قديرٌ، فكلُّها دالَّةٌ على الموصوفِ بهذه الصفاتِ، فهذا يَدُلُّ على العِزَّةِ، وهذا يَدُلُّ على الرَّحْمَةِ.
قالَ الأَصْفَهَانِيُّ: ويَنْبَغِي أنْ يَحْمَلَ كلامَهُم على مَنْعِه في لُغَةٍ واحدةٍ، فأمَّا في لُغَتَيْنِ فلا يُنْكِرُه عَاقِلٌ.
والثالثُ: يَقَعُ في اللُّغَةِ لا في الأسماءِ الشَّرْعِيَّةِ، وإليه ذَهَبَ الإمامُ في (المحصولِ) في الحقيقةِ الشَّرْعِيَّةِ، بعدَ ما ذَكَرَ وقوعُ الأسماءِ المُشْتَرَكَةِ، فقالَ: أمَّا التَّرَادُفُ فالأظْهُرُ أنَّه لم يُوجَدْ؛ لأنَّه يَثْبُتُ على خلافِ الأصْلِ، فيَتَقَدَّرُ بقَدَرِ الخاصَّةِ. انتهى.
هذا والإمامُ نَفْسُه ممَّنْ يقولُ بأنَّ الفَرْضَ والواجِبَ مُتَرَادِفَانِ، وكذا السُّنَّةُ والتَّطَوُّعُ.
ص: (والحَدُّ والمَحْدُودُ ونحوَ: حَسَنَ بَسَنَ - غيرَ مترادفَيْنِ على الأصَحِّ).
ش: فيه مسألَتَانِ:
إحدَاهُما: قيلَ: الحَدُّ والمحدودُ مُتَرَادِفَانِ، والصحيحُ تَغَايُرُهُما؛ لأنَّ كُلَّ مُتَرَادَفَيْنِ يَدُلُّ كلٌّ منهما بالمطابَقَةِ على ما يَدُلُّ عليه الآخَرَ بالإجْماعِ، وليسَ فقط الحدُّ والمحدودُ كذلكَ؛ لأنَّ المحدودَ يَدُلُّ على المَاهِيَّةِ، من حيثُ هي، والحدُّ يَدُلُّ عليها باعتبارِ دلالَتِه على أجزائِها، واعْلَمْ أنَّ أَصْلَ هذا الخلافُ حَكَاهُ الغزالِيُّ في مُقَدِّمَةِ