الوَضْعِ للشيءِ ونَقِيضِه وضدِّه، ولو كَانَتِ المُنَاسَبَةُ شَرْطًا لمَا جَازَ؛ لأنَّ الشيءَ الواحدُ لا يُنَاسِبُ الضِّدَّيْنِ مُنَاسَبَةً طبيعِيَّةً، وأَجَابُوا عن شُبْهَةِ (عَبَّادٍ) بأنَّا إنْ قُلْنَا: إنَّ الوَاضِعَ هو اللهُ، فسَبَبُ التَّخْصِيصِ هو الإرَادَةُ القَدِيمَةُ، وإنْ كانَ هو العبدُ، فسَبَبُه هو خُطُورُ ذلك المَعْنَى ببَالِه دونَ غيرِه كتَخْصِيصِ الأعلامِ بالأشخاصِ، والنَّقْلُ عَن عَبَّادٍ مُخْتَلِفٌ، فقيلَ: إنَّه أَثْبَتَها بمعنَى أنَّها - أي: المُنَاسَبَةُ - حامِلَةٌ على الوَضْعِ، سواءٌ كانَ الواضِعُ هو اللهُ أو غيرُه، وهو قَضِيَّةٌ نَقَلِ الآمِدِيِّ، وقيلَ: بل تِلْكَ المُنَاسَبَةُ كافيَةٌ في دلالَةِ اللفْظِ على المعنَى من غيرِ افْتِقَارٍ إلى الوَضْعِ لمَا بينَهما من المناسبةِ الطبيعِيَّةِ، وهو قَضِيَّةُ نَقْلِ المَحْصُولِ.
وتَرَدَّدَ الصَّفِيُّ الهِنْدِيُّ في حَمْلِ مَذْهَبِ عَبَّادٍ على هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ، وقَالَ: إنْ أَرَادَ الأوَّلُ فهو قَرِيبٌ، لكنْ لا يُمْكِنُ ادَّعَاؤهُ في كلِّ الألفاظِ واللُّغاتِ، لأنَّا لا نَعْلَمُ بالضَّرُورَةِ أنَّ ما يَلْمَحُونَه من المناسبةِ بينَ حُروفِ الألفاظِ ومَعانِيها غيرَ مَرْعِيٍّ في كلِّ الألفاظِ واللُّغَاتِ، وعلى هذا فإفْسادُ الآمِدِيِّ